للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج- أضِف هذا إلى اختلافِ مَخْرَجَي الحديثين، وهو قرينةٌ قويَّةٌ على انفصالِ كلٍّ مِن الحديثين عن الآخر، وكونهما حادثتين مُستقلِّتين.

ثمَّ على فرضِ انسدادِ وجوه الجمعِ بينهما -كما يوهِمه الكوثريُّ-: فقد كرَّرنا مِرارًا أنَّ قواعد العلماءِ تقتضي الانتقالَ إلى التَّرجيح، وحينئذٍ لا مَحيد عن ترجيحِ رواية معاوية بن الحكم على رواية أبي هريرة، لعدَّة اعتبارات:

أولاها: أنَّ حديث ابن الحكمِ في «الصَّحيح»، ورواية أبي هريرة خارجه.

ثانيها: لأنَّ رُواتَه أضبط وأكثر مِن رواةِ حديث أبي هريرة.

ثالثها: لأنَّ حديثه لم يُختلَف في سندِه، بخلافِ حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقد اختُلف في وصلِه وإرسالِه (١)؛ ولا شكَّ أنَّ ما لم يُختلف فيه أرجح ممَّا اختُلف فيه (٢).

رابعها: أنَّ معاوية بن الحكم هو صاحب القِصَّة، فروايته لها مُقدَّمَة على روايةِ غيره (٣)، وهذا كافٍ في التَّرجيح وحده.

وهذا -كما قدَّمنا- على تقديرِ كونِ الحديثين حادثةً واحدةً، وأنَّ الجمعَ بينهما عَويصٌ؛ وقد تبيَّن لك أنَّ الحديثين مُتغايران في الحادثة، مختلفان في المَخرجِ، فلا وجهَ لتكلُّف الاضطراب فيما بينهما.

وأمَّا ثاني الرِّوايات الَّتي عورض بها حديث معاوية بن الحكم:

فنفس حديث أبي هريرة السَّابق، لكن بسياقٍ مُغايرٍ له، جاء مِن رواية معمر بن راشد، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن رجلٍ من الأنصار:

أنَّه جاء بأَمَةٍ سوداء إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، إنَّ عليَّ رقبةً مؤمنةً، فإن كنت ترى هذه مؤمنةً، فقال لها النَّبي صلى الله عليه وسلم: «أتشهدين أن لا إله


(١) ذكره الدراقطني في «العلل» (٩/ ٢٩)، وسيأتي ذكر هذا الاختلاف قريبًا.
(٢) انظر «فتح الباري» لابن حجر (٢/ ٣٨، ٣١٥).
(٣) انظر «الواضح في أصول الفقه» لابن عقيل (٥/ ٨٢)، و «العُدة» لابن الفراء (٣/ ١٠٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>