للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا الله؟» قالت: نعم، قال: «أتشهدين أني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» قالت: نعم، قال: «أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟» قالت: نعم، قال: «أعتِقها» (١).

كذا رواه معمر عن الزُّهري مَوصولًا، وخالفه ثِقتان ثَبتان في الزُّهري، حيث أرسلَا الحديث، هما: مالك بن أنس (٢)، ويونس بن يزيد الأيلي (٣)،

فلا ريبَ بعدُ في تقديم رواية هذين المرسلة، على رواية مَعمر الَّتي ظاهرها الاتِّصال (٤).

وعليه؛ فالصَّواب في الرِّواية الثَّانية لأبي هريرة الإرسال (٥)، والمُرسَل لا يَقوى على معارضةِ حديثِ معاوية بن الحكم، فضلًا عن أن يُرمَى بالاضطرابِ لأجلِه.

وحاصل القول:

أنَّ حديث الجاريةِ برواية مسلمٍ له راسخٌ في ثبوتِ سندِه، بليغٌ في استقامة متنِه، لم تقع الرِّواية فيه بالمعنى كما زعمه الكوثريُّ والغُماريُّ، بل السُّؤال فيه بـ «أين الله» هو عينُ لفظ النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا ما أَقَرَّ به، لم ينهَض أحَدٌ من الحُفَّاظ النُّقَاد لمسلمٍ باعتراضٍ عليه في ذلك، حتَّى خَرَجَ علينا الاثنان بما يُناقض إجماعَهم بِما قد علِمتَه مِن وَاهِي العِلَل؛ والله يغفر لهما.


(١) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ك: المُدبر، باب ما يجوز من الرقاب، رقم: ١٦٨١٤)، ومن هذا الطريق عن عبد الرزاق أخرجه غير واحد من المصنفين.
(٢) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ٧٧٧، رقم: ٩)، وعنه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٦٣٨، رقم: ١٥٢٧١).
قال ابن عبد البرِّ في «التَّمهيد» (٩/ ١١٤): «لم يختلف رُواة الموطَّأ في إرسالِ هذا الحديث».
(٣) أخرجه عنه البيهقي في «السنن الكبرى» (١٠/ ٩٨، رقم: ١٩٩٨٨).

ويونس ثقة، قال أحمد بن صالح: «نحن لا نقدِّم في الزُّهري على يونس أحدًا»، انظر «تهذيب الكمال» (٣٢/ ٥٥٦).
(٤) قالَ الذَّهبي في مَعمر: «ما نزال نحتجُّ بمعمرٍ، حتَّى يلوح لنا خطؤه بمخالفةِ مَن هو أحفظُ منه، أو نعدُّه من الثِّقات»، قاله في «الرُّواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم» (ص/١٦٦).
(٥) رواها عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مرسلةً، ولم يرد في طريق من طرق الحديثِ ما يدلُّ على أنَّ عبيد الله هذا قد سمعه من ذاك الأنصاريِّ، وهو ما استظهرَه الدَّارقطني من علَّةٍ في هذه الرواية، فقال في «العلل» (٩/ ٣٠): «الصَّحيح عن الزُّهري مرسلًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>