للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أبوابِها المناسبة، بل مسلمٌ يجمعُ طرق الحديث في أنسب مكانٍ، لا يكاد يكرِّر الحديث في أكثرَ من بابٍ إلَّا نزرًا يسيرًا.

فلمَّا كان أغلب لفظِ حديث معاوية بن الحكم هذا مندرجًا في الفقهيَّات، ارتأى مسلمٌ وضعَه في كتابٍ فِقهيٍّ، فيما اختاره مِن كتاب الصَّلاة والمساجد.

وإذْ لم يرُق للكوثريِّ إلَّا تبويب مسلمٍ لهذا للحديث في الفقهيَّات، فإنَّ غيره مِن أربابِ المصنَّفاتِ قد احتسَبوه في أبوابِ الاعتقاد وما تعلَّق بها (١)! بل منهم مَن استدلَّ بهِ في العَقديَّات والفقهيَّات مَعًا (٢)! فأين هو من هؤلاء؟!

وأمَّا دعوى المخالف في المعارضة الخامسة: أنَّ الله لا يُسأل عنه بأين، وأنَّ في إثباتِ علوِّ الله وفوقيَّته على خلقِه تحيِيزًا له في جهة، وتموضعًا في مكان، وهذا ينافي تنزيهَه .. إلخ؛ فجوابه:

أنَّ ما جاء في هذا الحديث وأمثالِه مِن إثباتِ العلوِّ لله تعالى وجوازِ السُّؤال عنه بأينَ والإشارة له في جِهة العلوِّ، ليس هو قول المجسِّمة ولا المُشبِّهة، بل قول ربِّنا في كتابه ونبيِّنا في سُنِّته؛ وهو ما اجتمع على الإيمانِ به علماء المسلمين وعوامُّهم صدر هذه الأمَّة المباركة، كما قاله نجمُهم مالك بن أنس: «إنَّ الله فوق السَّماء، وعلمُه في كلِّ مكان» (٣).

يقول ابن عبد البرِّ (ت ٤٦٣ هـ): «قوله في هذا الحديث للجارية أين الله: على ذلك جماعةُ أهل السُّنة، وهم أهل الحديث، ورواتُه المتفقِّهون فيه، وسائر نقلَتِه كلِّهم، نقول ما قال الله تعالى في كتابه .. »، وبعد أن سَرَد بعضَ الآيات في إثبات العلوِّ قال: « .. ولم يزل المسلمون إذا دَهَمهم أمرٌ يُقلِقهم فزَعوا إلى


(١) منهم النَّسائي حين أخرجه في «السنن الكبرى»، في بابِ تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}، برقم: ١١٤٠١.
(٢) كابن خزيمة، حيث أورده في كتابِ الصَّلاةِ من «صحيحه» (٢/ ٣٥، رقم: ٨٥٩)، والبيهقيِّ، حيث أورده في كتاب «الأسماء والصِّفات» (١/ ٢٧٨)، ثمَّ احتجَّ به في كِتاب الظِّهار وكِتاب الأَيمانِ مِن «سُننه الكبرى» (٢/ ٣٢٥، رقم: ٨٩٠).
(٣) رواه عنه أحمد بسنده في «العلل ومعرفة الرجال» (٣/ ١٨٠)، و «مسائل الإمام أحمد ـ رواية أبي داود» (ص/٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>