للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربِّهم، فرَفعوا أيديَهم وأوجهَهم نحوَ السَّماء يدعونه، ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التَّشبيه، والله المستعان، ومَن قال بما نَطق به القرآن فلا عيبَ عليه عند ذوي الألباب» (١).

فعلى أيِّ أساسٍ نَقليٍّ يُقال بأنَّ المسلمين على تحريمِ السُّؤال عن الله بأين؟ بل كيف يُجتَرؤ على حديثه صلى الله عليه وسلم أن يُوصف سؤالُه فيه بـ «أنَّه اللَّفظ المستشنع» (٢)؟!

فأمَّا ظاهر ما أفاده حديث الجارية: فليس فيه من كونِ الله تعالى في السَّماء أنَّه في جَوفِها! أو أنَّ السَّموات تحصره وتحويه؛ هذا لم يقُله أحدٌ مِن سَلف الأمَّة ولا عاقل باقٍ على فطرتِه؛ بل العلماء متَّفقون على أنَّ الله فوق سمواته، مُستوٍ على عرشه، بائنٌ مِن خلقه؛ ليس في مخلوقاته شيءٌ مِن ذاته، ولا في ذاته شيء مِن مخلوقاته، ويعلمون أنَّ الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا أفعاله.

بل عقلاء المسلمين يؤمنون بأنَّ مَن اعتقدَ أنَّ الله في جوفِ السَّماء، محصورٌ محُاط به، تحويه المصنوعات، وتحصره السَّموات، فيكون بعض المخلوقات فوقه، وبعضها تحته، أو أنَّه مُفتقِر إلى العرش أو غير العرش مِن المخلوقات: أنَّه ضالٌّ مُبتدِعٌ، إن لم يكن زنديقًا!

ونقول -في مُقابِل ذلك- فيمَن اعتقدَ أنَّه ليس فوق السَّموات إله يُعبَد، ولا على العرش رَبٌّ يُصَلَّى له ويُسجد! وأنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم لم يُعرَج به إلى ربِّه؛ ولا نَزل القرآن الكريم مِن عنده: أنَّه مُعطِّل مبتدع.

وقد احتجَّ مُجَوِّزو الأيْنيَّة -مع ما قد وَرَد في ذلك من النُّصوص الشَّرعيَّة وإجماعِ السَّلف- بأنَّه لا يُعقَل الوجود بدونِها، وأنَّه مِن أجلى البَديهيَّات وأوضحِ الضَّروريَّات (٣)؛ والله جل جلاله قد فَطَر العبادَ عرَبهم وعجَمهم على أنَّهم إذا دَعوا الله توجَّهت قلوبهم إلى العلوِّ؛ لا يقصدونه عن أيمانهم ولا عن شمائلهم أو تحت


(١) «الاستذكار» (٧/ ٣٣٧).
(٢) تعليق السقاف على «دفع شبه التشبيه» (ص/١٨٨).
(٣) «القائد إلى تصحيح العقائد» للمعلمي (ص/٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>