للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا قال: في السَّماء، إن أفصح، أو أوْمأَ بيدِه، أو أشار بطرْفِه، إن كان لا يفصح، لا يشير إلى غير ذلك من أرضٍ ولا سهلٍ ولا جبلٍ.

ولا رأينا أحدًا داعيًا له إلَّا رافعًا يديه إلى السَّماء، ولا وجدنا أحدًا غير الجهميَّة يُسأل عن ربِّه فيقول: في كلِّ مكان! كما يقولون، وهم يدَّعون أنَّهم أفضل النَّاس كلِّهم، فتاهت العقول، وسقطت الأخبار، واهتدى (جهمٌ) وحده وخمسون رجلًا معه! نعوذ بالله من مضلات الفتن» (١).

ومن ثمَّ نقول: إنَّ أصلَ ضلال مَن طَعن في مثل هذا الحديث تكلمُّه فيه بكلماتٍ مُجملةٍ لا أصل لها في الشَّرع؛ ولا قالها أحدٌ مِن أئمَّة المسلمين، كما تراه في نصِّ ما مرَّ عليك من هذه المعارضةِ الخامسةِ، كلفظ التَّحيز، والجسم، والجِهة، ونحو ذلك.

ومنشأ الغلطِ عند هؤلاء النُّفاة: خلطُهم بين نَوعي الأمكنة: الوجوديَّة المخلوقة، والعَدميَّة، فلم يفهموا مِن كونِه فوق السَّماوات إلَّا بالمعنى الأوَّل للمكان المخلوقِ الَّذي يعهدونه في الشَّاهد! وهذا لم يقُل به إمام للسُّنة قطُّ.

وتفصيل الردِّ على هذه الشُّبهة في دفع المعارضات الواردة على حديث «رؤية الله في الجنَّة» من هذا البحث.

وأمَّا دعواهم في المعارضة السَّادسة: أنَّ اعتقاد علوِّ الله تعالى في السَّماء على خلقِه عقيدةٌ للعَرب القدامى في جاهليَّتهم .. إلخ؛ فجواب ذلك:

أنَّ إيمانَ المشركين العرب بأنَّ الله تعالى فوق السَّماء هو من القضايا المركوزة في الفِطَر، فليس للعرب الجاهليِّين اختصاصٌ بذلك، ما هو إلَّا كإقرارِهم بباقي مُقتضياتِ ربوبيَّته سبحانه، كالخلق، والإحياء، والإماتة، والتَّدبير، ونحو ذلك مِمَّا جاء في مثل قول الله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: ٦١].


(١) نقله ابن تيمية عن كتاب «الصِّفات» لابن فورك في كتابه «بيان تلبيس الجهمية» (١/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>