للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالله تعالى ليس به خفاء، وإنَّما تَعذَّرت رؤيته في الدُّنيا لضعفِ القوَّة الباصرةِ للمخلوق أن تتحمَّل رؤيةَ بارِيها جل جلاله، كما جرى لموسى عليه السلام حين تجلَّى ربُّه للجَبل حتَّى {جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً} [الأعراف: ١٤٣].

ففي هذا إبطالٌ لقولِ من ادَّعى أنَّه لو جازَ أن يُرى في الآخرة لجازت رؤيته في الدُّنيا، فإنَّما «الدُّنيا دار فناء، ولا يجوز أن يُرى الباقي في الدَّار الفانية، ولو رأوه في الدُّنيا، لكان الإيمان به ضرورةً، والجملة أنَّ الله تعالى أخبر أنَّها تكون في الآخرة، ولم يخبر أنَّها تكون في الدُّنيا، فوَجَب الانتهاءُ إلى ما أخبرَ الله تعالى به» (١).

وبهذا تتعاضد أدلَّة القرآن والعقل مع السُّنةِ النَّبويَّة لإثباتِ عقيدة الرُّؤية لله تعالى في الجنَّة، لا كما افتراه (النَّجمي) على أهل السُّنة من أنَّهم لم يسُوغوها إلَّا مِن مصدرٍ واحد، وأنَّها عقيدة لم تَرِد إلَّا بأخبار آحاد!

وليس الأمر كذلك، فإنَّه مع ما قد علِمنا من أدلَّة الكتاب والعقل عليها، فإنَّ ما وَرد في هذا الباب مِن المتواتر المَعنويِّ القطعيِّ، فقد رُويت عنه صلى الله عليه وسلم بعباراتٍ متنوعةٍ، مِن وجوه كثيرةٍ، يمتنع بمثلها في العادة التَّواطؤ على الكذبِ.

فعن يحيى بن معين قال: «عندي سبعة عشرَ حديثًا في الرُّؤية، كلُّها صِحاح» (٢).

وجمعَ الدَّارقطني طُرقَ الأحاديث الواردةِ في رؤية الله تعالى في الآخرة (٣)، فزادت على العشرين، ثمَّ تَتبَّعها ابن القيِّم (٤)، فبلغت الثَّلاثين، يقول ابن حجر: «وأكثرُ أسانيدها جِياد» (٥).


(١) «التعرف لمذهب أهل التصوف» للكلاباذي (ص/٤٣).
(٢) «العواصم والقواصم» لابن الوزير اليماني (٥/ ١٩٣).
(٣) في جزئه المَطبوع «رؤية الله».
(٤) في كتابه «حادي الأرواح» (ص/٢٩٦ - ٢٩٧).
(٥) «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٤٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>