للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّؤية أعظم مِن حديث كلِّ نوعٍ مِن هذه الأنواع، وفي الصِّحاح منها أكثر ممَّا فيها مِن هذه الأنواع» (١).

فعلى ما تَضمَّنته هذه المُتواتراتِ مِن وجوب الإيمان برؤية المؤمنين لربِّهم جل جلاله يومَ القيامة، انعقد إجماع الصَّدر الأوَّل من هذه الأمَّة.

يقول عثمان الدَّارمي (ت ٢٨٠ هـ) بعد إيرادِه ما في هذا العقدِ مِن دلائل نقليَّة:

«هذه الأحاديث كلُّها وأكثرُ منها قد رُويت في الرُّؤية، على تصديقها والإيمان بها أدركنا أهلَ الفقهِ والبَصر مِن مشايخنا، ولم يَزل المسلمون قديمًا وحديثًا يَروُونها ويؤمنون بها، لا يستنكرونها ولا يُنكِرونها، ومَن أنكرها مِن أهلِ الزَّيغ نَسبوه إلى الضَّلال .. فإذا اجتمع الكتاب، وقول الرَّسول، وإجماع الأمَّة: لم يبقَ لمتأوِّلٍ عندها تأوُّل، إلَّا لمكابرٍ أو جاحدٍ» (٢).

وبعد أن أوردَ البيهقيُّ (ت ٤٥٨ هـ) جملةَ أحاديث الباب، عَقَّب ببيانِ اتِّفاقِ السَّلف على ما تضَمَّنته، وأنَّ الخلافَ فيها لم يوجد بينهم أبدًا، إذْ لو وُجِد لنُقل إلينا كما نُقل في مسائل هي أدنى شأنًا مِن مسألتنا هذه، فتراه يقول:

«رُوِّينا في إثبات الرُّؤية عن: أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عبَّاس، وأبي موسى، وغيرهم رضي الله عنهم، ولم يُرو عن أحدٍ منهم نفيُها، ولو كانوا فيه مختلفين لنُقل اختلافُهم إلينا.

وكما أنَّهم لمَّا اختلفوا في الحلال والحرام والشَّرائع والأحكام: نُقل اختلافهم في ذلك إلينا، وكما أنَّهم لمَّا اختلفوا في رؤيتِه بالأبصارِ في الدُّنيا: نُقل اختلافهم في ذلك إلينا، فلمَّا نُقلت رؤية الله بالأبصار عنهم في الآخرة، ولم ينُقَل عنهم في ذلك اختلاف -يعني في الآخرة- كما نُقِل عنهم فيها اختلاف في


(١) «درء تعارض العقل والنقل» (٧/ ٣٠).
(٢) «الرد على الجهمية» للدارمي (ص/١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>