للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدُّنيا: علِمنا أنَّهم كانوا على القولِ برؤيةِ الله بالأبصارِ في الآخرةِ مُتَّفِقين مُجتمِعين» (١).

ولا ريبَ أنَّ ما نَقَله البيهقيُّ وغيره (٢) مِن إجماعٍ على هذه المسألة، هو القولُ الَّذي لا يجوز العدول عنه، لصراحةِ ما أورده في ذلك من أدلَّة، فكان الواحد مِن أولاءِ الأئمَّةِ لصراحةِ النُّصوص في هذه المسألةِ، وتظافر الأدلَّة على ذات المعنى: لا يرتاب في تضليلِ كلِّ مَن ينكر الرُّؤية، وإلحاقِه على الفورِ بالجهميَّة (٣).

فأمَّا دعاوي المخالفين فيما أورَدُوه في المقام الأوَّل مِن المعارضات العقليَّة على أصلِ الرُّؤية: في زعمِهم أنَّ كلَّ ما يكون مَرئيًّا فلا بدَّ وأن تنطبع صورته ومثاله في العَين، والله تعالى يتنزه عن الصُّورة والمثال، وأنَّ كلَّ ما كان مرئيًّا فلا بدَّ له من لَون وشكل، والله تعالى منزَّه عن ذلك، فوَجَب ألَّا يُرى.

فجوابه أن يُقال: إنَّ كون الرُّؤية بالانطباعِ، ومنعِ كونِ المرئيِّ ذا لونٍ وشكلٍ: هو مِن لوازم المَرئيِّ المخلوقِ المُشاهَد في الدُّنيا، أمَّا رؤية الخالقِ في الدَّار الآخرة، فليست هي كرؤية المخلوق قطعًا، وبِما أنَّ المختلفات في الماهيَّة لا تستوي لوازمها، فليست تجِب تلك اللَّوازم المُدَّعاة في حقِّ الله تعالى.

وكذا دَعواهم أنَّ المَرئيَّ لا بدَّ وأن تنطبع صورتُه ومثالُه في العين، وأنَّه لا بدَّ وأن يكون ذا لونٍ وشكلٍ: هو مَبنيٌّ على أنَّ هذه الأشياء المشاهَدة المُحسَّة لا تُرى إلَّا كذلك، وقِياس رؤيةِ الخالق سبحانه عليها في الآخرةِ مِن أبطلِ الأقيسةِ قطعًا، فإنَّ الله تعالى ليس كمثله شيء (٤)، «ولا تُقاس شئون البَشر في


(١) «الاعتقاد» للبيهقي (ص/١٣٠).
(٢) نقل الإجماع أيضا: أبو الحسن الشعري في «رسالة إلى أهل الثغر» (ص/١٣٤)، وابن القيم في «حادي الأرواح» (ص/٣٤٢)، ونقل قبله أقوال جمع غفير من علماء السَّلف من الصحابة ومن بعدهم في إثبات الرؤية.
(٣) كما ثبت ذلك عن وكيع بن الجراح، انظر «السنة» لعبد الله بن أحمد (١/ ٢٣١)، و «الصفات» للدارقطني (ص/٤١).
(٤) «رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها» (ص/٧١ - ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>