للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسعفُكَ على ذلك، لأنَّ الجِهة ليست أمرًا وجوديًّا، بل أمرٌ اعتِباريٌّ، ولا شكَّ أنَّ الجهات لا نهاية لها، وما لا يوجد فيما لا نهاية له فليس بمَوجود» (١).

وكذلك نقول في لفظ «التَّحيُّز»:

إن أريدَ به أنَّ الله تحُوزُه المخلوقات: فالله أعظم وأكبر، بل قد وَسِع كرسيُّه السَّموات والأرض .. وإن أريدَ به أنَّه مُنحازٌ عن المخلوقات، أي مُبايِنٌ لها، مُنفصل عنها، ليس حالًّا فيها: فهو سبحانه كما قال أئمَّة السُّنة: فوقَ سمواته على عرشه، بائنٌ مِن خلقه (٢).

وكذا إذا قيل: أنَّه في جِهة بذلك الاعتبار الَّذي قُرِّر هنا قريبًا، فهو صحيح، ومعناه: أنَّه فوق العالم حيث انتَهَت المخلوقات، فهو بذا فوق الجميع، عالٍ عليهم.

والحاصل: أنَّ هذه اللَّوازم السَّالف إيرادها مِن قِبل المُعترضين، من لفظ الجِهة والمُقابلة ونحوها: ليست ممتنعةً عند أهلِ السُّنة؛ فإذا كانت (المُقابلة) لازمةً للرُّؤية فهي حَقٌّ، وما كان حقًّا وصوابًا، فلازمه كذلك (٣).

وأمَّا استدلال المعترض على نفيِ أحاديث الرُّؤية بآية: {لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}:

فالاستدلال بهذا منه عجيب، لأنَّه لو تَأمَّله بتجرُّد، لوَجده عليه لا له! بكِلَا قَوْلي الصَّحابة في تفسيرِها.

فأوَّل قَوْلَيهم في ذلك: أنَّ الإدراكَ في الآية بمعنى الرُّؤية، وحَملوا الآيةَ على نفيِ الرُّؤية في الدُّنيا بخصوصِها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّكم لنْ تَرَوا ربَّكم حتَّى


(١) «شرح الطحاوية» لابن أبي العز (١/ ٢٦٧) بتصرف يسير.
(٢) «التَّدمرية» (ص/٦٦ - ٦٧).
(٣) وما مرَّ من تفصيلٍ في هذا الجواب، يقول عنه ابن تيميَّة: «ممَّا خاطبتُ به غيرَ واحدٍ مِن الشِّيعة والمعتزلةِ، فنفعه الله به، وانكشفَ بسببِ هذا التَّفصيل ما وقع في هذا المقامِ مِن الاشتباهِ والتَّعطيل»، «منهاج السنة» (٢/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>