للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنَّ البخاريَّ روى في «كتاب التَّفسير» في سياقِ آيةِ الحجابِ ما هو صَريحٌ في كونِ قصَّة سَودة رضي الله عنها كانت بعد الحجابِ لا قبله، وهو المشهور عند أهلِ العلم (١)، كما تراه في قول عائشة: «خرجَت سَودةُ بعدما ضُرِب الحجابُ لحاجتِها، وكانت امرأةً جَسيمةً، لا تخفى على مَن يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سَودة، أمَا والله ما تَخفَين علينا، فانظرِي كيف تخرجين .. » الحديث (٢).

فيُقال على هذا: إنَّ الأمرَ حينَ وَقَع على وِفق ما أراده عُمر قبلُ مِن إيجابِ حجابِ الوجوهِ على أمَّهاتِ المؤمنين، أحَبَّ أيضًا أن يُحجَب أشخاصُهنَّ مُبالغةً في التَّستُّر، فلذا قال لسَودة: «قد عرفناك .. »، حِرصًا منه على أن ينزِل حكم الحجاب أضيقَ منه، فلا تُرى أشخاصُهنَّ البتَّةَ ولو مع حِجابِهنَّ، لكنَّ الله تعالى أذِنَ لهنَّ بخلافِ رغبةِ عمر، وأنزل آيةَ الحجابِ وليس فيها التَّضييقُ الَّذي أرادَه عمر، لأجلِ ما فيه مِن الحَرج (٣)، فلِذا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم لسَودة بعد شكواها له قولَ عمرَ في الحديث السَّابق: «إنَّه قد أُذِن لكنَّ أنْ تخرُجنَ لحاجتِكُنَّ».

وإنَّما عُدَّ الحجابُ مِن موافقات عمر في قصَّةِ سَودة هذه (٤)، لنزولِ حِصَّةٍ منه على وفقِ رأيه (٥).

ويُقال في الجمعِ بين هذا وحديثِ أَنَس رضي الله عنه في نزولِ الحجابِ بسبب زينب: أنَّ عمر رضي الله عنه حَرَص على ذلك، حتَّى قال لسودة ما قال، فاتَّفَقَت القصَّة


(١) «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (٦/ ٤٥٤).
(٢) أخرجه البخاري (ك: تفسير القرآن، باب: باب قوله: لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، رقم: ٤٧٩٥)، ومسلم (ك: السلام، باب: إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان، رقم: ٢١٧٠).
(٣) «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٤٩).
(٤) كما في روايةٍ عن عائشة في البخاري (ك: الاستئذان، باب: آية الحجاب، رقم: ٦٢٤٠)، ومسلم (ك: السلام، باب: إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان، رقم: ٢١٧٠).
(٥) «فيض الباري» للكشميري (١/ ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>