للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للَّذين قَعدوا في البيتِ في زواج زينب، فنَزَلت الآية، فكان كلٌّ مِن الأمْرَين سَببًا لنزولهِا (١).

وفي تقرير ما مضى من الجمعِ بين سَبَبَيْ النُّزولِ، يقول أبو العبَّاس القرطبي:

«الأَوْلى أن يحُمَل ذلك على أنَّ عمر رضي الله عنه تَكرَّر منه هذا القول قبل نزولِ الحجاب وبعده، ولا بُعدَ فيه .. فإنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَقَع في قلبِه نُفرة عظيمةٌ، وأَنَفة شديدة مِن أن يطَّلِع أحَدٌ على حَرَم النَّبي صلى الله عليه وسلم، حتَّى صرَّح له بقوله: «احجِب نساءَك، فإنَّهن يراهن البَرُّ والفاجر .. »، ولم يَزَل ذلك عنده، إلى أن نَزَل الحجاب وبعده، فإنَّه كان قصدُه ألَّا يخرُجنَ أصلًا، فأفرطَ في ذلك! فإنَّه مُفضي إلى الحرجِ والمشقَّةِ والإضرارِ بهن، فإنَّهن محتاجاتٌ إلى الخروج» (٢).

وأمَّا دعوى المُعترضِ قدحَ الحديثِ في العلمِ الإلهيِّ، فيُقال له:

إنَّ جعلَك موافقةَ عمر اقتراحًا على الله تعالى واستدراكًا عليه مَنزعٌ خَبيثٌ في فهمِ النُّصوصِ، مَنشأه التَّحاملُ على الصَّحبِ الكِرام رضي الله عنهم، فأيُّ تَلازمٍ عقليٍّ بين الموافقةِ والاستدراكِ حتَّى يُطعنَ به على الأخبار؟!

ولو ادَّخرَ المُعترض فرطَ ضغينتِه عليهم بمَزيدِ تأمَّلٍ لهذه الأخبارَ، دون انتهاضٍ منه لمُجرَدِّ الاعتراض: لتبيَّنَ له أنَّ ذاك الاقتراحَ -كما يسمِّيه- إنَّما تَوَجَّه به عُمر رضي الله عنه إلى شخصِ النَّبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته، لا إلى الله أصالةً! ولا خَطَر ببالِ عمر أن يُنزِلَ ربُّه في ذلك آياتٍ توافق مُرادَه، فضلًا عن أن يَتقصَّد الاستدراكَ على آياتِه كما تَوهَّمه المُعترض، وحاشاه، وحاشا عاقلًا أن يَفهم ذلك.

وقد أسلفنا التَّنبيه مرارًا أنَّ القرآنَ نَزل مُنجَّمًا ثلاثًا وعشرين سنةً، منه ما نَزل ابتداءً مِن غير سببٍ مَعلومٍ بعينِه، ومنه ما نَزَل عَقِب واقعةٍ أو سُؤال ونحو ذلك، كلَّما أُلقِيت على النَّبي صلى الله عليه وسلم آيةٌ أو أكثر، أُمِر بوضعِها مِن فورِه في مكانٍ


(١) «فتح الباري» لابن حجر (١١/ ٢٣).
(٢) «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (١٨/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>