للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا الجواب ندحضُ حُجَّة (ابن قرناس) في اعتراضِه على الموافقةِ القرآنيَّة لعمر في آيةِ سورةِ التَّحريمِ.

وأمَّا المعارضات المُتَّجِهةُ إلى خبرِ موافقةِ عمر في النَّهيِ عن الصَّلاة على المنافقين، فيُقال في أولاها، وهي دعوى حملِ النَّبي صلى الله عليه وسلم لـ (أو) في الآيةِ على التَّخييرِ، وهي للتَّسوية .. إلخ:

فإنَّه يجدر بنا الاستنارةُ بأقوالِ السَّلف الأقدمين في هذا الحديث، فبهم فهِمنا الكِتاب والسُّنة، وهم أجدرُ أن ينزعوا عنَّا قيدَ الإشكالِ الظَّاهر منهما، فنقول:

نَحا جمع مِن أهلِ التَّفسيرِ إلى أنَّ مقصودَ هذه الآية التَّسويةُ بين الاستغفارِ للمنافقين وعدمِه من حيث أثرُه، ومِن ثَمَّ التَّيئيس مِن أن تلحقهم أيُّ مغفرةٍ، وأنَّ عِلَّة ذلك مَنصوص عليها آخرَ الآية، في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٨٠].

ذَهَب إلى هذا التَّأويل ابن جرير (١)، وأبو بكر الجَصَّاص (٢)، وابن الجوزي (٣)، في آخرين مِن أهل التَّفسير.

وهؤلاءِ مع هذا القول، لم ينزِعوا يدًا عن قبولِ حديثِ عمر رضي الله عنه، ولكن أعملوا آلةَ التَّأويلِ له على معنى يَتِمُّ به وِفاق الآية، ولنِعم ما فَعلوا.

فمِن ذلك قولهم: إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم استغفرَ لابن سلولٍ لعدمِ يَقينِه بوفاتِه على الكفر، وكان الظَّاهر منه الإقرارَ بالإسلام (٤)، وأنَّه لفرط رحمته صلى الله عليه وسلم بالنَّاس، وحرصِه على نجاتِهم، اختارَ الأخذَ بمفهومِ العَددِ في لفظِ (السَّبعين) على حقيقتِه، وتَرَك المعنى المجازيَّ له، استقصاءً لمظنَّةِ الرَّحمةِ، ولو مِن وجهٍ ضَعيف (٥).


(١) «جامع البيان» (١٤/ ٣٩٤).
(٢) «أحكام القرآن» للجصاص (٤/ ٣٥١).
(٣) «زاد المسير» لابن الجوزي (٣/ ٤٧٧).
(٤) انظر «أحكام القرآن» للجصاص (٤/ ٣٥١)، و «زاد المسير» لابن الجوزي (٣/ ٤٧٧)، و «أنوار التنزيل» للبيضاوي (١/ ١٦١).
(٥) انظر «جامع البيان» للطبري (١٤/ ٣٩٥)، و «الكشاف» للزمخشري (٢/ ٤٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>