للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن سلولٍ نفسُه، لم يكن يعاجِلُه النَّبي صلى الله عليه وسلم بعقوبةٍ، مع ما صَدَر منه مِن بَوائق، مُراعاةً منه للمَآلاتِ والعواقبِ في إدارةِ المجتمعِ المَدنيِّ بكافَّةِ طوائِفه، ودفعًا منه لِما يُتوَقَّع مِن مفاسدَ على الدَّعوةِ الإسلاميَّةِ ودولتِها الفتيَّة آنذاك (١)، مع ما جُبِل عليه مِن فرطِ رحمةٍ يُحمَد عليها إلى يوم الدِّين.

فلمَّا لم تَقتضِ المصلحةُ إهانةَ ابن سلولٍ حين وفاتِه، مع ما له مِن حَظوةٍ عند عشيرَتِه، ومُراعاةً منه لولَدِه الصَّالِح، تطييبًا لقلوبِ بعض الأحياءِ مِن قراباته، ورغبةً منه في استمالةِ قومِه إلى الدِّينِ إذا ما رَأوه لَبَّى طلبَ ابنِ زعيمِهم في إكرامِ مَثواه: بادَرَ النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الإجراءِ مِن بابِ السِّياسةِ الشَّرعيَّة، طالما المانِع مِن ذلك غير قطعيٍّ ولا صَريحٍ في كتاب الله، فالآية -كما قُلنا- وإن قَطَعت رجاءَ حصولِ المغفرةِ للمنافقين، فلم تمنع فعلَ الاستغفارِ صَراحةً كما هو الحال مع المشركين الصُّرحَاء.

فتخيَّل معي بعد هذا، لو كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم «تَركَ الصَّلاةَ عليه قبلَ ورودِ النَّهي عنها: لكان سُبَّة على ابنِه! وعارًا على قومه! فاستعملَ صلى الله عليه وسلم أحسنَ الأمرين وأفضلَهما في مبلغِ الرَّأي، وحقِّ السِّياسة في الدُّعاء إلى الدِّين، والتَّأليفِ عليه، إلى أن نُهي عنه فانتهى» (٢).

ونفيُ المُعترضِ أن تكون لهذه الصَّلاة على ابن سَلولٍ فائدةٌ مِن جهة استمالةِ قلوبِ عشيرتِه، بدعوى أنَّ القرآنَ يُخبر أنَّ الاستغفارَ لا تفيد بحالِه: هو نفيٌ صحيحٌ لو كُنَّا على علمٍ بأنَّ قومَه على علمٍ بأنَّ زعيمَهم هذا واحدٌ مِن أولئك المنافقين الَّذين عناهم القرآن بشخصه! إذن لاستهجنوا فعلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم واستخفُّوا به، إذْ كيف يُصلِّي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم على غير أهلِ مِلَّتِه؟!

في حين أنَّ هذا العلمَ منهم ممَّا يستحيلُ إثباته عنهم.


(١) أشار إلى هذا المعنى ثلة من أهل العلم، كأبي العباس القرطبي في «المفهم» (٢/ ٦٤٢)، وأبو عبد الله القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (٨/ ٢٢٠)، وابن حجر في «فتح الباري» (٨/ ١٧٨).
(٢) «أعلام الحديث» للخطابي (٣/ ١٨٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>