للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيها: لو افترَضنا أنَّ لغة القومِ زمنَ موسى عليه السلام كانت العِبريَّة -تنزُّلًا- فإنَّه لا تعارضَ بين ما وَرد في الحديث، بيانُ ذلك من جِهتين:

الجِهة الأولى: أنَّ العَربيَّة والعِبريَّة كِلاهما مِن الأسرةِ السَّامية (١)، والمُشترَك اللُّغوي بين اللُّغاتِ مِن أسرةٍ واحدةٍ يكون كبيرًا، فلا مانعَ مِن أن يكون لفظَا (حِطَّة) و (حِنطة) مَن هذا المشترَك (٢).

يقول ابن حزم: «إنَّ الَّذي وَقفنا عليه وعلِمناه يقينًا: أنَّ السِّريانيَّة والعبرانيَّة والعَربيَّة -هي لغة مُضر وربيعة، لا لغة حِمير- لغةٌ واحدةٌ، تَبدَّلت بتبدُّلِ مَساكن أهلِها، فحدَث فيها جَرش كالَّذي يحدث مِن الأندلسيِّ إذا رام نغمةَ أهل القيروان، ومِن القيروانيِّ إذا رام نغمةَ الأندلسيِّ .. وهكذا في كثيرٍ من البلاد، فإنَّه بمجاورةِ أهلِ البَلدة بأُمَّة أخرى، تتبدَّل لغتها تبديلًا لا يخفى على من تأمَّله» (٣).

وعليه؛ فإنَّ وجود تشابه بين العربيَّة وغيرها من اللُّغات السَّامية في مفرداتها وقواعدها ليس بالمستنكر؛ خاصَّةً مع قولِ ثلَّة من الباحثين في علم اللُّغات والاجتماع بكونِ العربيَّة هي الأصل الَّتي تفرَّعت عنها باقي اللُّغات السَّامية (٤)، بل باقي اللُّغات بإطلاق (٥).


(١) السَّاميون شعوب عديدة، بعضها انقرض أو اندمج في غيره من الشعوب، كالبابليين، والآشوريين، والفينيقيين، والآراميين، وبعضها لا يزال باقيًا إلى يومنا هذا، كالعرب، واليهود، والأحباش السُّمر، وقلة من بقايا الآرامية، وأول من أطلق عليها هذه التسمية (سامية) عالم ألماني اسمه (شلوتسر) بناءً على أقدم محاولة لتقسيم البشر إلى عائلات، وهي تلك التي وردت في سفر التكوين، وفي الإصحاح العاشر، ومع أن هذا التقسيم غير دقيق، فقد أبقى عليه علماء التاريج والاجتماع، لعدم وجود مصطلح أفضل منه للدلالة على مجموعة الشعوب تربطها معًا وحدة اللغة والجنس والذهنية، انظر «في قواعد الساميات» لـ د. رمضان عبد التواب (ص/٩ - ١٢).
(٢) هذا ما ذهب إليه الفخر الرازي في تفسيره «مفاتيح الغيب» (٦/ ٥٠٤).
(٣) «الإحكام» لابن حزم (١/ ٣١).
(٤) وهو ما ذهب إليه العالم الاجتماعي الإيطالي (ساباتينو موسكاتي) في كتابه الشهير «الحضارات السامية القديمة».
(٥) ألَّفت الدكتورة تحية عبد العزيز إسماعيل -المختصة بعلم اللغويات- كتابًا حافلًا أسمته «اللغة العربية أصل اللغات»، حشدت فيه دلائل كثيرة على أولية اللغة العربية، وأنها أصل اللغات، وشرحت فيه الكلمات اللاتينية واليونينية والهيروغليفية، وكشفت عن تراكيبها، وردتها إلى أصولها العربية فيما ترى، كما حشدت مزايا اختصت بها العربية عن غيرها، وقد بذلت فيه جهدا مشكورًا.
وكذا لـ د. عبد الرحمن البوريني بحث قيِّم بلغ فيه نفس النتيجة السابقة أسماه «اللغة العربية أصل اللغات كلها»، مطبوع بدار الحسن للنشر - عمان، ١٩٩٨ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>