للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهة الثَّانية: أنَّ العِبريَّة القديمة نفسَها خَليط مِن عدَّة لغاتٍ، أهمُّها الآراميَّة، والأكاديَّة البابِليَّة منها والآشوريَّة، والهيروغليفيَّة المِصريَّة، وكذا العَربيَّة، فوارِدٌ جدًّا أن يكون اللَّفظان الوارِدان في الحديثِ مِن المعجمِ العَربيِّ الَّذي اختلَط في ذاكَ المَزيجِ العِبْريِّ (١)!

وفي تقريرِ قريبٍ مِن هذا التَّأصِيلِ، يقول ابن تيميَّة: «الألفاظُ العِبريَّة تُقارب العربيَّة بعضَ المقاربة، كما تتقارب الأسماء في الاشتقاقِ الأكبر، وقد سمِعت ألفاظَ التَّوراة بالعِبريَّة مِن مسلمةِ أهل الكتاب، فوجدتُ اللُّغتين متقاربِتين غايةَ التَّقارب، حتَّى صِرتُ أفهم كثيرًا مِن كلامِهم العِبريِّ بمجرَّدِ المعرفة بالعَربيَّة .. » (٢).

ثالثها: يذهب عَدد من الباحثين إلى أنَّ اللُّغة الَّتي كُتِبت بها التَّوراة الأصليَّة كانت الآرَاميَّة، فإنَّه لابدَّ أنَّ ما أُوتيَه موسى عليه السلام مِن ألواحٍ قد كُتِب بلُغةٍ مُقعَّدةٍ مَفهومةٍ (٣)، واللُّغة الَّتي كانت مُتداولة في الشَّامِ آنذاك هي الآراميَّة (٤)، ومِنها تفرَّعَت السِّريانيَّة (٥)، فلذا سُمِّيت باللُّغةِ المقدَّسة، وهاتان لُغتانِ قَريبتان في المعجمِ والقَواعد، ومنها أَخذت العِبريَّة قِسطًا وافرًا مِن لُغتها، وقد سبقت الإشارة إلى قريبٍ من هذا المعنى.


(١) وهذا موسى عليه السلام مع علمهِ باللُّغة المصريَّة لغة المنشأِ ـ قد تعلَّم العربيَّة وتكلَّم بها حين ساكن أهل مَدين عدَّة سنين، وكانوا عربًا، وقد كان من آثار ذلك تضمُّن أسفارِ موسى الخمسة الموجودة في التَّوراة كلماتٍ كثيرةً من المصريَّة والعربيَّة.
(٢) «مجموع الفتاوى» (٤/ ١١٠).
(٣) ويبعُد جدًّا أن تكون التَّوراة قد كُتبت بالرُّموز الهيروغليفيَّة المصريَّة القديمة التي نشأ عليها موسى عليه السلام برسومها الحيوانيَّة وأشكالها المستغربة!
(٤) انظر «الحضارات السامية القديمة» لساباتينو موسكاتي (ص/١٨٠).
(٥) «في قواعد الساميات» لـ د. رمضان عبد التواب (ص/٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>