للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحمِّله تَبِعتَه، كما كان يصنع نقَّاد الحديث، فإنَّهم رَدُّوا أحاديث بمُخالفةِ الأصولِ، وبَيَّنوا أنَّ الغلَطَ وقَعَ فيها مِن بعضِ نَقَلتِها، وبيَّنوا وَجهَ ذلك.

يقول ابن عبد البرِّ: «ليس أحَدٌ مِن علماء الأمَّة يُثبت حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يردُّه دون ادِّعاءِ نسخِ ذلك بأثرٍ مثلِه، أو بإجماعٍ، أو بعملٍ يجبُ على أصلِه الانقيادُ إليه، أو طعنٍ في سَندِه؛ ولو فَعَل ذلك أحدٌ سَقَطت عدالته، فضلًا عن أن يُتَّخَذ إمامًا، ولزمَه اسمُ الفسق»! (١)

ويَقول المُعلِّمي: «إذا استنكَرَ الأئمَّة المُحقَّقون المتْنَ، وكان ظاهر السَّندِ الصِّحة: فإنَّهم يتطلَّبون له عِلَّة، فإذا لَم يجدوا عِلَّة قادحةً مُطلقًا حيث وَقَعت، أعلُّوه بعلَّةٍ ليست بقادحةٍ مُطلقًا، ولكنَّهم يرونَها كافيةً للقدحِ في ذاك المُنكر» (٢).

وبتقرير هذا المَعلمِ ينجلي فرقٌ آخر فاصلٌ بين منهج المتقدِّمين مِن أهل السُّنة، وكثيرٍ من المعاصرين في نقدِهم للأحاديث:

وهو أنَّ المُحدِّثين إذا رَأوا حديثًا بيِّنَ الفسادِ مِن جِهة معناه، لم يُبادروا إلى رَدِّه دون بيان خَللٍ في إسنادِه، ليكون مَردُّ الانتقادِ عندهم -في الغالبِ الأعمِّ- إلى خَللٍ في طريقةِ تحمُّلِه أو رِوايتِه؛ بينما لا يَرقى هذا الإسنادُ عند المُعاصرينَ إلى تلك الأهمِّية، ومِن ثَمَّ سَهُل عليهم الاقتصارُ على الطَّعنِ في الأحاديثِ مِن جِهة متونِها فقط.

المَعْلم السَّادس: التَّمَهُّل في ردِّ الحديث، ولو بعد العَجزِ عن استيضاحِه.

قد تقدَّم التَّنبيه على أنَّ الاستعجالَ في ردِّ الأحاديثِ النَّبوية الصَّحيحة من جِهة أسانيدِها، لمُجرَّد الاستشكالِ العارض للذِّهن: مِن أعظمِ آفاتِ المنهج النَّقدي عند المُعاصرين، وخِفَّة عقولِ كثيرٍ منهم.


(١) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (٢/ ١٠٨٠).
(٢) مقدمة تحقيق المعلمي لـ «الفوائد المجموعة» للشوكاني (ص/٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>