وقول الله تعالى:{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَاّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}[الأنفال: ١٠] ليس يفيد الحصرَ بحال كما ادَّعاه المُعترض، لأنَّ الضَّمير في قوله:{جَعَلَهُ} عائِدٌ إلى فعلِ الله مِن الإمدادِ نفسِه، لا إلى الملائكةِ، أي: القَصدُ مِن إنزالِه الملائكةَ للقتالِ طَمأنةُ المؤمنين إذا عَلموا بزيادةِ عددِهم بعد ما رَأوا مِن وفرةِ المشركين وعدمِ تكافئهم، فنفسُ قتالِ الملائكةِ بجوارِهم تَطمينٌ لهم، وفيه تبشيرٌ ضِمنيٌّ بالنَّصر، بأن أوقعَ في نفوسِهم ظنَّ النَّصر، وهذا منه إلهامٌ وتثبيتٌ، وفيه إرشادٌ لما سيُطابق الواقع، ودفعٌ لأيِّ وَسوسةٍ شيطانيَّة.
وفي سِباقِ الآياتِ نفسِها ما يدلُّ على كونِ المُخاطَبين بالضَّربِ الملائكةُ، حيث أنَّها افتُتِحَت بخطابِ الله لهم، في قوله تعالى:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}، فناسبَ أن يكون مُختَتَمها للملائكة أيضًا.
لكنَّ (رشيد رضا) فَصَل هذا الأمرَ عن سياقِه القريبِ، وألحقَه بسياقٍ بعيدٍ عنه الَّذي فيه خطاب المؤمنين! ولا يجوز استصحابُ السِّياقات البعيدة دون القريبةِ إلَّا بدَليل، «فإنَّ قولَه تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} تفريعٌ على جملة: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرَّعْبَ} المفرَّعة هنا أيضًا على جملة: {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} في المعنى»(١).
هذا؛ ولو فَرَضنا أنَّ الأمرَ بالقِتالِ في الآية كان للمؤمنين، لنَزَلَت عليهم قبل المعركةِ بداهةً ليمتثِلوه! في حين أنَّ السُّورةَ نَزَلت بعدَ انكشافِ الملحمةِ، وفراغِ المؤمنين مِن القِتال!
وعلى فرضِ أنَّ الأمرَ القرآنيَّ مُوجَّه للمؤمنين أصالةً، فما المانِعُ أن تكون الملائكة شاركَتهم في القتالِ؟! فلم يكن مِن داعٍ لرَدِّ الأخبارِ الصَّحيحة في هذا الباب.