للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الطَّبري في تفسير قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ}: «وعِند الله علم ما غابَ عنكم أيَّها النَّاس مِمَّا لا تعلمونه، ولن تعلموه، ممَّا استأثر بعلمِه نفسه، ويعلم أيضًا مع ذلك جميع ما يعلمُه جميعُكم» (١).

ويقول ابن حجر: «المُراد بالغيبِ المَنفيِّ في قوله تعالى: {قُل لَاّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ} هو المَذكور في هذه الآية الَّتي في لقمان» (٢).

فنستخلص مِن هذا: أنَّ مَن اعتقدَ أنَّ العلمَ بنوعِ الجنينِ، هو المقصود بالآية مِن علمِ ما في الأرحام، وأنَّه مِن الغيب الَّذي لا يعلمه إلَّا الله: فقد أخطأَ الفهمَ عن الله ورسوله، بل هو مِن عالم الشهادة الخاضعِ لسُننِ المعرفةِ الَّتي بثَّها الله تعالى في خلقِه، والعلماء منذ القديمِ يقرُّون بإمكانِ معرفةِ جنسِ الجنينِ، لم يعدُّوا ذلك مَحظورًا معرفتُه على الخَلقِ.

يقول العِراقيِّ: «قد يحصل لغير الأولياء مَعرفةُ ذكورةِ الحَملِ وأنوثتِه بطولِ التَّجارب، وقد يُخطِئ الظَّنُّ، وتَنخرم العادة» (٣).

والَّذي أوقع بعض المُعاصرين في تلك المَزلَّةِ في الفهم: أخذه بمعنى العمومِ المستفادِ مِن الاسم المَوصول (ما)، في قولِه تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ}، لتشملَ عنده معنى جنسِ الجَنين، مع ما يَتبادر في عُرفِ النَّاسِ إذا سألتهم عَمَّا في رَحمِ امرأةٍ حامل، دون تمعُّنٍ منه في ألفاظِ الحديث المفسِّر للآية الكريمة.

شُبهة العِلمِ بوقتِ نزولِ المَطر:

وأمَّا كون الإنسانِ قادرًا على معرفةِ أوقاتِ نزولِ الأمطارِ، كما يظهر في نَشراتِ الأخبار الجَويَّة: فإنَّ الَّذي نَطق به الحديث هو العلم بوقتِ نزولِ الغيث، وليس الظنَّ، أمَّا ما يَصل إليه المُختَصُّون في الأحوالِ الجَويَّة فقُصَاراه أن يكون


(١) «جامع البيان» للطبري (٩/ ٢٨٣).
(٢) «فتح الباري» لابن حجر (٨/ ٥١٤).
(٣) «طرح التثريب» للعراقي (٨/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>