فلنترُك أقوالَ الأطبَّاء وخلافَهم في هذهِ الظَّاهرة المُلازِمة للإنسان، ولنتأمَّل دقيقَ كلامِ ابن القيِّم في جودةِ جمعِه بين السَّببِ الحِسِّي والغيبيِّ لهذا المَشهدِ العجيب للولادةِ، حيث قال:
«إن قيل: ما السَّببُ في بكاءِ الصَّبي حالةَ خروجِه إلى هذه الدَّار؟
قيل: ههنا سَبَبان:
سَبَبٌ باطِن، أخبَرَ به الصَّادق المَصدوق، لا يعرفه الأطبَّاءُ، وسَببٌ ظاهر.
فأما السَّبَب الباطن: فإنَّ الله سبحانه اقتَضَت حكمتُه أنْ وَكَّل بكلِّ واحد مِن وَلد آدمَ شيطانًا، فشيطان المَولود قد خَنس، ينتظر خروجَه، ليُقارِنَه ويَتوكَّل به، فإذا انفصَلَ، استقبلَه الشَّيطانُ وطعَنه في خاصِرَته، تحرُّقًا عليه وتَغيُّظًا، واستقبالًا له بالَعداوة الَّتي كانت بين الأبَوَين قديمًا، فيبكي المَولود مِن تلك الطَّعنة، ولو آمن زنادقةُ الأطبَّاء والطَّبائعيِّين بالله ورسولِه، لم يجدوا عندهم ما يُبطِل ذلك ولا يَرُدُّه ..
والسَّبَب الظَّاهر: الَّذي لا تُخبِر الرُّسُل بأمثالِه، لرُخْصِه عند النَّاس، ومعرفتهم له مِن غيرِهم: هو مفارقتُه الَمألوفَ والعادةَ الَّتي كان فيها إلى أمرٍ غريب، فإنَّه يَنتقل مِن جسمٍ حارٍّ إلى هواءٍ باردٍ ومكانٍ لم يألفه، فيستوحِشُ مِن مُفارقتِه وَطَنَه ومَألفَه» (١).
وأمَّا الجواب عن الاعتراض الثَّالث، في دعوى المُعترِض أنَّ امرأةَ عمران ليست وحدها من أعاذت وليدَها وذرَّيتَها مِن الشَّيطان، فيُقال:
إنَّ سبَبَ انقداحِ هذا الاعتراض عند المُعترضِ أمران: