للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا الأمر الأول: فهو ناتج عن غَلَطِه في فهمِ الحديث، في أحسنِ أحوالِ الظَّنِ به؛ ذلك أنَّه لا يلزم مِن نُفوذِ أثرِ الدُّعاءِ ألَّا يحصل ما أخبر به النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن الطَّعن؛ لأنَّ المُراد مِن دُعاء الجِماع في الخبر النَّبوي: أن تَتَحقَّق الحَيْلولة بين الإضلالِ والإغواءِ -الَّذي سببُهما الشَّيطان- وبين المَولود، وليس المُراد مِن الدُّعاء الحيلولة بينه والطَّعن بخصوصِه.

والمُقتضي لهذا المُراد مِن هذا الحديث: ما ثَبَت في حديثِ البابِ: مِن وقوعِ النَّخس لكلِّ مَولودٍ سِوى ما استثناه الخَبر، فهذا التَّقدير لازمٌ لاستقامةِ الحديث، وجريانِه على السَّداد، دون تضارُبٍ بين الخَبرين؛ فتقديرُ الإضلال إذن أصْدَقُ مِن تقديرِ الطَّعن؛ لدلالةِ النَّصِ عليه.

ثمَّ إن الطَّعن ليس بِضَررٍ يقتضي تخصيصَه بدعاء؛ إذ لو كان كذلك ضَارًّا، لسَلِم منه الأنبياء والأولياء؛ إذْ همْ أَوْلى بهذا المَعنى (١).

يقول أبو العبَّاس القرطبي في بيانٍ مُتقَنٍ لمعنى قولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحديث «لو أنَّ أحدَهم يقول حينَ يَأتي أهلَه: باسمِ الله، اللَّهم جنِّبني الشَّيطان، وجنِّب الشَّيطان ما رزقتنا، ثمَّ قُدِّر بينهما في ذلك، أو قُضيَ ولدٌ: لم يضُرَّه شيطانٌ أبَدًا»:

قيل معناه: لم يضرَّه: لم يصْرَعْه الشَّيطان.

وقيل: لا يَطعن فيه الشَّيطان عند ولادتِه، ويطعن في خاصرةِ مَن لا يُقال له ذلك.

قال القاضي (٢): لم يحْمِلْه أحَدٌ على العمومِ في جميعِ الضَّرر، والإغواء، والوسوسة.

قلت -القائل: القرطبيُّ-: أمَّا قصرُه على الصَّرع وحده فليس بشيء؛ لأنَّه تحكُّمٌ بغير دليل، مع صلاحيَّة اللَّفظ له ولغيره.


(١) مُستفاد من «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٧٣٩).
(٢) يعني القاضي عياض السَّبتي في «إكمال المعلم» (٤/ ٦١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>