للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق الأرض، لعلَّ ذلك الجمعة بعد مُضيِّ الدُّهور! ولولا هذا التَّأويل لزِم خلقُ السَّموات والأرض في سبعةِ أيَّام، والثَّابت بالقرآنِ خَلْقُ السَّمواتِ والأرضِ في ستَّة أيَّام» (١).

ثمَّ قد يَستشهدون بقولِ ابنِ عطيَّة في أنَّ «الظَّاهرَ مِن القَصص في طينة آدم: أنَّ الجمعة الَّتي خُلِق فيها آدم قد تَقَدَّمتها أيَّامٌ وجُمَع كثيرة» (٢).

فنبدأ هنا بالجواب على كلامِ المظهريِّ، فنقول:

لا ريب أنَّ القول بما تأوَّل به الحديث بعيدٌ عن ظاهر الحديثِ، وسِياقُه يأباه.

نظير ذلك لو قُلتَ: أتيتُ بلدةَ كذا مُسافرًا، فتجوَّلتُ في أزقَّتها الاثنين، وأتيتُ مَتاحِفَها الثَّلاثاء، وفعلتُ كذا وكذا الأربعاء، وحَزمتُ حقيبتي ورَجعتُ الخميس»، فلن يُدركَ سليمُ البَديهة مِن كلامِك إلَّا تتابعَ هذه الأيَّام! إذ هو المُتبادَر إلى الفهم ابتداءً، والظَّاهر منه، وما كان خلاف الظَّاهر هو محتاجٌ إلى قرينةٍ واضحةٍ لحملِ معنى الكلام على خلافِه، وليس لِمن يَقول بمثل هذا في الحديث إلَّا الظَّن.

ثمَّ يلزمه على كلامه فوق هذا أن يكون التَّخليق الأوَّل ابتدأَ السَّبت، ولم ينتهِ إلَّا بعد أحقابٍ مِن الزَّمن حينَ ختَمه بآدم! ولا قائل بهذا فيما أعلمُ.

وأمَّا كلام ابن عطيَّة عن آثارِ مُدَّة تخليق الطِّينة:

فليس في هذا الباب إلَّا الأثر المَرويَّ عن سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه قال: «إنَّ الله خمَّر طينةَ آدم عليه السلام أربعينَ ليلةً، أو أربعين يومًا، ثمَّ ضَرَب بيَدَيْه فيه .. » (٣).


(١) «التَّفسير المظهري» (١/ ٤٩).
وإلى مثل هذا التَّأويل نحى الكشميري في «فيض الباري» (٤/ ٣٤٠ - ٣٤١)، وأبو إسحاق الحُويني في تخريجه لـ «تفسير ابن كثير» (٢/ ٢٣٢ - ٢٣٣ ط ابن الجوزي).
(٢) «المحرَّر الوجيز» (٥/ ٥).
(٣) رواه الفريابي في «القدر» (رقم:١٠)، والآجري في «الشريعة» (٢/ ٨٥٤، رقم: ٤٣١)، وأبو الشيخ في «العظمة» (٥/ ١٥٤٦)، وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ٢٦٣)، وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>