للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كُفينا ردَّ هذا بما أجابَ به البَيهقيُّ قال: «مَعلومٌ أنَّ سلمان رضي الله عنه كان قد أخَذَ أمثالَ هذا مِن أهلِ الكتاب حتَّى أسلَمَ بعدُ، ورُوي ذلك مِن وجهٍ آخر ضعيفٍ عن التَّيمي مرفوعًا، وليس بشيءٍ» (١).

وأمَّا جَعْلُ الألبانيِّ الأيَّامَ المذكورة في الحديثِ أيَّامًا أخرى غير الأيَّام السِّتة للتَّخليقِ، بل جعلها بعدها:

فبِدعٌ من القولِ لا سَلَف له فيه! فإنَّ كلَّ مَن تَقدَّمه -سواء مِن مُصَحِّحي الحديث أو مُضعِّفيه- مُتَّفِقون على تنزيل الأيَّامِ السِّتةِ في القرآنِ على هذه الأيَّامِ الواردةِ في هذا الحديث، ودونك كُتُب المُفسِّرين وشُرَّاح الحديث لترى ذلك.

على أنَّ في الحديثِ نفسِه ما يَرُدُّ فهمَه ذاك! فقد ورَد في نصِّه خلقُ الجِبال، وهذه يَقينًا لم تُخلق إلَّا في الأيَّامِ السِّتةِ لبدءِ الخليقةِ بنصِّ القرآن: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: ١٠] (٢).

أمَّا ما استدَلَّ به مِن حديثِ الأخضر على فهمِه ذاك:

فغير سالمٍ له ولا مُسَلَّم، لأنَّ الأخضر بن عجلان خالفَ في سندِه ومتنِه الثِّقاتَ مِن رُواة هذا الحديث عن ابن جريج، وهم: حجَّاج بن محمَّد المَصيصي (٣)، وهشام بن يوسف الصَّنعاني (٤)، ومحمَّد بن ثور (٥)، والصَّواب روايتُهم دونه.

والأخضر صَدوق نازلٌ عن مرتبتهم في الضَّبط، فروايتُه بهذا السِّياقِ الشَّاذِ عن المعروفِ مِن متن الحديث وسندِه مَردودة.


(١) «الأسماء والصِّفات» للبيهقي (٢/ ١٥١).
(٢) وقد تدخل الأشجار المذكورة في الحديث في نصِّ الآية أيضًا إذا اعتبرناها من جملة الأقوات، وذلك كل ما يقوت الناس من الغذاء، ويصلحهم من المعاش.
(٣) وعنه رواه مسلم في «صحيحه».
(٤) وعنه رواه ابن معين في «تاريخه - الدوري» (٣/ ٥٢، رقم: ٢١٠).
(٥) وعنه رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (٣/ ٣٠٣، رقم: ٣٢٣٢)، وأبو الشَّيخ في «العظمة» (٤/ ١٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>