للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جِهة السَّند (١)؛ لكن العِبرة هنا ليست بآحادِ هذه الآثار! ولكن بمجموعِ هذه الآثار واستِفاضَتِها في عمومِ السَّلف (٢)، ولأجلها نَقل الطَّبريُّ الإجماعَ عنهم في ذلك، وهو مَن في استقراءِ كلامِهم، وتَتبُّعِ مَقالاتِهم، حتَّى لم يُبالِ بخلافِ ابن إسحاقَ لهم، لمِا استقرَّ عنده من اتِّفاقِ سَوادِهم على أنَّ الأحدَ أوَّل الأيَّام السِّتة.

ولو سَلَّمنا فرضًا باحتمالِ خطأِ الطَّبري في هذا الاستقراء: فلا أقلَّ أن يكون قولَ جُملتِهم الغالبة؛ وها هو ابنُ الجوزيُّ: يعترف بنسبةِ القولِ بابتداء الخلق يوم الأحد إلى أكثرِ أهلِ التَّفسيرِ مِن السَّلف أيضًا (٣)، مع كونِه مِمَّن يُصحِّح حديثَ خلق التُّربة!

فكان مُجرَّد هذا الاتِّفاق مِن السَّلف كافيًا للقُرشيِّ الحَنفيِّ (ت ٧٧٥ هـ) كي يُعلِّل حديثَ مسلم، فقال موجزًا: « .. واتَّفقَ النَّاس على أنَّ يوم السَّبت لم يقع فيه خلقٌ، وأن ابْتِدَاء الْخلقِ يوم الأحد» (٤).

وبهذا نعلمُ أنَّ ما زَعَمَه أبو بكر الأنباريِّ (ت ٣٢٨ هـ) مِن اتِّفاقِ أهلِ العلمِ على أنَّ ابتداءَ الخلقِ كان يوم السَّبت (٥) مجرَّدُ دعوى غَلَّطَه فيها ابنُ تيميَّة (٦).

وأمَّا دعوى المُعلِّمي أنَّ غير المرفوع مِن تلك الآثارِ عامَّتُه مِن قولِ عبد الله بن سَلام، وكعب، ووَهب، ومَن يأخذ من الإسرائيليَّات:

فقد قرَّرنا آنفًا أنَّ معنى هذه الآثار قول عامَّة السَّلف مِن المُفسِّرين وغيرهم.


(١) «الأنوار الكاشفة» (ص/١٩١).
(٢) قلت: يُنقل الدِّين بطريقين: إمَّا بالإسناد، أو بالشُّيوع والانتشار بين طبقات الأمَّة، ولو لم يأتِ في ذلك إسناد قائم، ومنشأ ذلك: عدم الحاجة إلى النَّقل بالطَّريق الأوَّل لشيوعِه، فاستغنُي عنه، ومَن لم يُدرك هذا المسلك عند العلماء أدَّاه إلى ردِّ بعض مسائل الشَّريعة ولا بدَّ.
(٣) «زاد المسير» لابن الجوزي (٤/ ٤٦).
(٤) «الجواهر المضيَّة» (٢/ ٤٢٩).
(٥) «الزَّاهر في معاني كلمات النَّاس» لابن الأنباري (٢/ ١٣٨).
(٦) «مجموع الفتاوى» (١٧/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>