للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونَصَب؛ ومثله قال الضَّحاك (١)، وأبو مجلز (٢).

ومِن عجيب قدَرِ الله تعالى فينا وفي أهلِ الكِتابين: أنَّ اليهودَ استصحَبوا نعتَ المغضوبِ عليهم في تعظيمِهم للسَّبتِ، إذْ جعلوه مُستَراحَ الرَّبِ من الخلقِ -تعالى عن ذلك سبحانه-؛ واستصحَبَ النَّصارى نعتَ الضَّلالِ في تعظيم الأحدِ، إذْ كان عندهم بدايةَ الخلق، وهل يُحتفَل بشيءٍ لِتوِّه بَدَأ ولم يَسْتَتِمَّ بعد؟!

وهَدى الله المسلمين لاتِّخاذِ الجمعة عِيدًا، إذ كان آخرَ يومٍ خَلَق الله فيه العالَم، وكان فيه خلقُ أصلِهم آدم عليه السلام (٣)!

وأمَّا تتِمَّة هذه المعارضة؛ في دعوى دلالةِ أسماءِ الأيَّامِ على أوَّليَّةِ الأحد في أيَّام الخلق:

فكلام المُعلِّمي فيما تَعقَّبها به سَليم.

غير أنَّ دعوى السُّهيليِّ بأنَّ تلك الأسامي طارئةٌ على أيَّامِ الأسبوع، وتعدادُه لأسمائها القديمة عند العَرب: وإن كان قولًا صَحيحًا مِن حيث التَّاريخ، لكن يُشكِل عليه أنَّ العَرَب كانوا أيضًا يُسَمُّون الأحدَ (أوَّل) (٤) كما ذَكره السُّهيليُّ نفسُه عنهم! ويَجعلونه أوَّلَ أيَّام الأسبوع! فإمَّا أنَّهم تَبعوا فيه أهلَ الكتاب بخصوصِه لأسبابٍ غير مَعروفة (٥)، أو تكون التَّسمية انْبَنت على ما بَقي فيهم مِن أثارةِ أخبارِ الأنبياء.

ثمَّ قول السُّهيلي في أسماء الأيَّام: «لو كان الله تعالى ذَكَرها في القرآن بهذه الأسماء المُشتقَّة مِن العدد، لقُلنا: هي تسميةٌ صادقةٌ على المُسَمَّى بها، ولكنَّه لم يذكر منها إلَّا الجمعة والسَّبت، وليسا مِن المشتقَّة مِن العدد»:


(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٧/ ٦٠٩) منسوبًا لتفسير ابن المنذر.
(٢) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (٨/ ٥١١).
وأبو مجلز: هو لاحق بن حميد بن سعيد البصري، ويقال: شعبة السَّدوسى، إمام ثقة من أواسط التابعين، توفي (١٠٦ هـ أو نحوها)، انظر «تهذيب الكمال» (٣٤/ ٢٥٥).
(٣) انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١٧/ ٢٣٧)، و «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (٨/ ١١٩).
(٤) انظر «النُّكت والعيون» للماوردي (٦/ ٩).
(٥) انظر «التَّحرير والتنوير» (٢٨/ ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>