للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُشكِلُ عليه أنَّ السَّبتَ وإن لم يُشتَقَّ مِن العَدد، فهو مُشتَقٌ مِن معنى القَطع والسُّكون (١)! يُقال: سَبَتَ الشَّيءَ، إذا قطَعَه (٢)، ويُقال: أسْبَتَت الحَيَّةُ: إذا أطْرَقَت لا تَتحرَّك (٣)، وعليه سُمِيَّ يومُ السَّبت سَبْتًا: لأنَّ الله قَطَع خَلْقَ العَالَم وفَرَغ منه فيه (٤).

فلو أنزلنا على أصلِ تَسمية السَّبت دعوى السُّهيليِّ أنَّ أسماء الأيَّام المُشتقَّة مِن العدد لو ذُكرت في القرآن لكانت «التَّسميةَ صادقةً على المُسَمَّى بها»، فإنَّ يوم السَّبت قد ذُكِر في القرآن، فتسميتُه على هذا صادقة على المُسمَّى به! إذ يتضمَّن قطع الرَّب للتَّخليقِ فيه، ومن لازم ذلك بدء التَّخليق في الأحد.

ومُحصَّل القول مِن مجموعِ هذه المناقشاتِ أن نقول ختامًا:

إنَّ حديثَ «خلق التُّربة يوم السَّبت» قد وُجِّهَت له في القديمِ والحديثِ أربعُ مُعارضاتٍ تطعن في متنِه ذكرتها تباعًا: صَحَّت منها المعارضة الأولى، فلم تُزحزَح بجوابٍ مَكين، واندفعت عنه المعارضة الثَّالثة، لوَهائِها البيِّن للنَّاظر فيها، أمَّا المعارضتان الثَّانية والأخيرة: ففيهما ما يَسلم، وفيها ما فيه نَظر.

وإن كانت المعارضة الأولى كافيةً في إسقاطِ الحديث وردِّه بالنَّكارة، والله تعالى أعلم.


(١) انظر «تهذيب اللُّغة» للأزهري (١٢/ ٢٦٨)، و «الزَّاهر» للأنباري (٢/ ١٣٧).
(٢) «تاج العروس» للزبيدي (٤/ ٥٣٤).
(٣) «المعجم الاشتقاقي المؤصَّل» لـ د. محمد حسن جبل (٢/ ٩٤٦).
(٤) انظر «جامع البيان» للطبري (٢/ ٦٦)، و «مقاييس اللغة» لابن فارس (٣/ ١٢٥)، و «النكت والعيون» للماوَردي (١/ ١٣٥).
قلت: ولا يختلف هذا المعنى المقصود إن قيل بالقول الآخر في أصلِ التَّسميَّة: أنَّ اليَهود يَسْبِتُون فيه، أي يَقطعون فيه الأعمالَ ـ كما تراه في «النُّكت والعيون» (١/ ١٣٥) ـ لأنَّهم لم يفعلوا ذلك أصلًا إلَّا بعد اعتقادِ تعظيمِه أنْ قَطَع الله فيه الخلقَ! وجَعَلَه مُستراحًا له، وأمَرَهم باتِّخاذِه كذلك، فمَرَدُّ هذا إلى المعنى الأوَّل للتَّسمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>