للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن يبقى إشكال مهمٌّ يَعتري تعليلَ هذا الحديث؛ وهو:

هل يكون حديث خلق التُّربة بهذا مِن قَبيل الإِسرائيليَّات، مع أنَّه في «صحيح مسلم»؟

والجواب: كلَّا!

بل مُجرَّد غَلَطٍ مِن أحدِ رُواتِه، بدليل أنَّ الإسرائيليِّين أنفسُهم مُتَّفِقون على أنَّ الخلقَ ابتدأَ الأحد، وانتهى الجمعة، «وعليه بَنَوا قولَهم في السَّبت» (١)، وليس في شيءٍ من صُحُفِهم أنَّ ابتداءَ الخلق كان يوم السَّبت، كما في متنِ هذا الحديث.

وكعبُ الأحبار الَّذي يَنسِبُ إليه البعضُ هذه الرِّواية -بتخريجِ أنَّ الرَّاوي أخطَأ بروايتِها عن أبي هريرة رضي الله عنه مَرفوعةً، وكان الفرض أن تكون عن كعب- المعروفُ مِن قولِه هو: أنَّ مُبتدَأ الخلق كان الأحَد لا السَّبت (٢)!

فيكون بهذا بريئًا مِن نسبةِ الحديث إلى مَقولِه، ونسبةُ بعض العلماء المتأخِّرين ذلك إليه غَلَطٌ، كابن تيميَّة (٣)، القيِّم (٤)، وابن كثير (٥)، والمُناويُّ (٦)، وتَبعهم بعض مُخرِّجي السُّنَن مِن المعاصرين (٧).


(١) «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/١٨٩).
(٢) انظر «زاد المسير» لابن الجوزي (٢/ ١٢٧).

وما رُوي عنه في ذلك أخرجه وكيع في «نسختِه عن الأعمش» (رقم: ٣٩)، ومن طريقه الطَّبري في «تفسيره» (٧/ ٥) وابن أبي شيبة في «المصنف» (٧/ ٢٦٩): عن الأعمش، عن أبي صالح، عن كعب قال: «بدأ الله بخلق السَّموات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ جعل مع كل يوم سنة»، وهذا سَند منقطع بين الأعمش وأبي صالح، إذ لم يسمع منه شيئًا، وانظر «تهذيب التَّهذيب» (٤/ ٢٢٤).
(٣) «مجموع الفتاوى» (١٨/ ١٨).
(٤) «المنار المنيف» (ص/٨٤ - ٨٥).
(٥) «تفسير القرآن العظيم» (١/ ٢١٥).
(٦) «فيض القدير» (٣/ ٤٤٧).
(٧) كشعيب الأرنؤوط في تخريج «مسند أحمد» (١٤/ ٨٢)، ومُحقِّقا «الطُّيوريات» لأبي طاهر السِّلفي (٢/ ٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>