للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مِن اشهر عُمَدِ هؤلاء في نسبةِ هذا الخبر إلى كعب: قولُ البخاريِّ في ترجمتِه لأيُّوب بن خالد الأنصاريِّ: «ورَوَى إسماعيل بن أميَّة، عن أيُّوب بن خالد الأنصاري، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: خَلق الله التُّربة يوم السَّبت.

وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصحُّ» (١).

ففَهِم البعضُ مِن هذا الكلامِ: وُرودَ حديثِ خلقِ التُّربة يوم السَّبت بإسنادٍ آخرَ وَقَف عليه البخاريُّ، يَنْميه أبو هريرة إلى كعبِ الأحبارِ ولا يرفعُه، فرَّجحوه على إسنادِ مسلمٍ المرفوع! مع جهلِهم بحقيقتِه، تقليدًا للبخاريِّ.

لكن يُشكِل على مَسلكِهم هذا في التَّعليلِ: كونُه ترجيحًا للمَجهولِ مِن الإسناد على مَعلومٍ منه! فإنَّ ما ذَكَره البخاريُّ مِن روايةِ الحديث عن أبي هريرة عن كعب، لا نعلم إسنادَه لنتَحقَّقَ مِن صحَّتِه، والأصل اعتمادُ ما ظَهر مِن الأسانيد حتَّى يُكشف ما خَفِي منها (٢).

وما يزيد فهمَهم لكلامَ البخاريَّ إشكالًا: ما سَبَق تقريرُه مِن أنَّ المَحفوظ عن كعبٍ خلافُ ما في حديث خلق التُّربة، أي أنَّه يقول بأنَّ ابتداءَ الخلق كان يوم الأحد، وهو قول أهل الكتاب قاطبةً!

فمِن أين سيأتي البخاريُّ بروايةٍ عن كعبٍ تناقض هذه الحقيقة؟!

لقد حاوَل المُعلِّمي التماسَ عُذرٍ للبخاريِّ في هذا المَسلك الغريب من التَّرجيح، حين قال: «مُؤدَّى صنيعِه أن يحدُسَ أنَّ أيُّوب أخطأ، وهذا الحَدس مَبني على ثلاثةِ أمور:

الأوَّل: استنكارُ الخَبر لمِا مَرَّ.

الثَّاني: أنَّ أيَّوب ليس بالقَويِّ، وهو مُقِلٌّ، لم يُخرِج له مسلم إلَّا هذا الحديث؛ .. وتَكلَّم فيه الأزديُّ، ولم يُنقَل توثيقُه عن أحدٍ مِن الأئمَّة، إلَّا أنَّ ابن حبَّان ذكره في «ثقاته»، وشرط ابن حبَّان في التَّوثيق فيه تسامح معروف.


(١) «التَّاريخ الكبير» للبخاري (١/ ٤١٣).
(٢) ولذا قال الألبانيُّ مُتعقِّبًا كلامَ البخاريِّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (٤/ ٤٤٩): «وهذا كسابقه ـ يعني أنَّه مَردود-، فمَن هذا البَعض؟! وما مَحلُّه في الضَّبط والحِفظ حتَّى يُرجَّح على روايةِ عبد الله بن رافع؟!».

<<  <  ج: ص:  >  >>