للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالث: الرِّواية الَّتي أشار إليها بقوله: «وقال بعضهم»، وليته ذَكَر سندَها ومتنَها، فقد تكون ضعيفةً في نفسِها، وإنَّما قوِيَت عنده للأَمرين الآخَرين، ويَدلُّ على ضعفِها أنَّ المحفوظ عن كعب، وعبد الله بن سلام، ووهب بن منبِّه، ومَن يأخذ عنهم: أنَّ ابتداءَ الخلق كان يوم الأحد، وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبِهم، .. فهذا يدفع أن يكون ما في الحديث مِن قولِ كعب» (١).

غير أنَّ هذا الكلام لا يُزيلُ الإشكالَ الثَّاني، وهو: أنَّ المَشهور عن كعبٍ خلاف حديث خلق التُّربة، فكيف ينسبُه البخاريُّ إليه؟

والَّذي تَبدَّى لي مِن كلامِ البخاريِّ وجهٌ آخرَ مِن التَّأويل، أزعمُ أنَّه أقرب ما تُحمل عليه مَقالَته السَّالفة، أقول فيها مُستَهديًا بالله:

إنَّ البخاريَّ لا يعني أنَّ الخبر الَّذي قال فيه: «وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب»: هو بنفسِ مَتنِ حديثِ خلقِ التُّربة! فليس يُعرَف لهذا الحديث في كلِّ صحائفِ الدُّنيا غير الإسناد الَّذي ساقَه مسلم له عن أيُّوب بن خالد! وليس لمِثل البخاريِّ في سِعة علمِه واطِّلاعِه أن يجهل أنَّ كعبًا لا يقول بما في متنِه من ابتداء الخلق يومَ السَّبت.

إنَّما أراد البخاريُّ بقولِه ذاك: ما يدخلُ في جملةِ أخبار هذا الباب الَّذي يندرج فيه حديث مسلمٍ ولو اختلف في متنه، مادام مَوضوعها واحدًا -والله أعلم-؛ ما يعنيه المُحدِّثون بقولهم: «وفي الباب عن فلانٍ وفلانٍ مِن الصَّحابة .. »، أي أنَّ مَوضوع حديث ما قد وَرَد فيه أحاديث أخرى عن فلانٍ وفلانٍ، وهذه الأحاديث قد تختلف لفظًا ومعنًى، وأمثلة ذلك واضحة في «جامع التِّرمذي» (٢).

فعلى هذا، يكون متنُ الخَبر الَّذي عَناه البخاريُّ، والَّذي قد عَزاه هو إلى أبي هريرة عن كعب الأحبار، لا يُطابق متنَ حديثِ مسلمٍ في خلقِ التُّربة يوم


(١) «الأنوار الكاشفة» (ص/١٨٩).
(٢) انظر مثالًا له في «نزهة الألباب في قول الترمذي وفي الباب» لحسن الوائلي (٣/ ١٦٣٣ - ١٦٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>