للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعارضة الأولى: أنَّ الدَّواعي مُتوافرة لاستفاضةِ هذا الحديث لو كان حقيقةً، ورواية الآحادِ مِن النَّاس له مَظِنَّة قويَّة لنكارتِه.

وفي تقريرِ هذا الاعتراض، يقول (رشيد رضا):

«مِن عِلل الحديث: أنَّه مِن الأحاديث الَّتي تَتوفَّر الدَّواعي على نقلها بالتَّواتر، لغرابة موضوعِه، ولاهتمام النَّبي صلى الله عليه وسلم به، وجمعِه النَّاس له، وتحديثِه به على المنبر، واستشهادِه بقول تميمٍ على ما كان حدَّثهم به قبل إسلامه، ولسماع جمهور الصَّحابة له منه صلى الله عليه وسلم، فمِن غير المعقول ألَّا يُروى إلَّا آحاديًّا؛ ويؤيِّده امتناع البخاريِّ عن إخراجِه في «صحيحه»، لشدَّةِ تحرِّيه .. » (١).

المعارضة الثَّانية: على فرضِ صحَّة الواقعةِ، فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يُقِرَّ تميمًا رضي الله عنه على كلِّ حديثِه، وأنَّ في إبطالِه صلى الله عليه وسلم لبعضِ حديثِه نَزعًا للثِّقةِ مِن باقيه، وعلى فرضِ تصديقِ النَّبي صلى الله عليه وسلم لكلِّه، فليس هو مَعصومًا مِن تصديقِ الكَذَبة.

ولتقرير هذه الاعتراضِ المتفرِّع إلى اثنين، استشهدَ (رشيد رضا) بكلام للطيِّبي مَفاده: أنَّ ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «ألَا إنَّه في بَحْرِ الشَّام، أو بَحْرِ الْيَمَنِ؛ لا، بَلْ مِن قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هو .. »، يدلُّ على تصديقِه لتميمٍ أوَّلَ الأمر، ثمَّ كُوشِف صلى الله عليه وسلم في موقفِه بأنَّه في جهةِ المشرق، وليس في أحد البَحرين، فأعقبَ (رشيد رضا) هذا النَّقل عنه بقوله:

«إنَّ نفيَ النَّبي صلى الله عليه وسلم لبعض قولِ تميمٍ يُبطل الثِّقة به كلَّه، ويحصر عجبَه صلى الله عليه وسلم في شيءٍ واحدٍ منه لا يُعرَف بالرَّأي، وهو موافقتُه لما سَبق إخباره به صلى الله عليه وسلم مِن ظهورِ الدَّجال، وكونِه لا يدخل مكَّة ولا المدينة، وإن بقيَ الإعجاب ممَّا ذُكر منه في مَحلِّه .. » (٢).

ثمَّ انتقلَ إلى تقريرِ الشُّبهةِ الثَّانيةِ في عدمِ عصمتِه صلى الله عليه وسلم مِن تصديق الكاذب، وقد سَبق كلامه في أصحابِ الموقفِ الثَّاني مِن حديث الجسَّاسة، فأغنى عن إعادتِه هنا.


(١) «تفسير المنار» (٩/ ٤١٠).
(٢) «تفسير المنار» (٩/ ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>