للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعارضة الثَّالثة: أنَّ الحِسَّ يَقضي بعدمِ صِحَّة هذا الحديث، وبيان ذلك:

أنَّ الجزيرة الَّتي رَفأَ إليها تميم رضي الله عنه وأصحابه بسفينِتهم لن تعدو أن تكون في إحدى البِحار المحيطة بالجزيرة العربيَّة أو القريبة منها، وكلُّها قد مسَحَها علماء البِحار في هذه الأزمنة مَسحًا؛ فلو صَحَّ وجود هذه الجزيرة، ووجود الدجَّال فيها: لتوافرت هِمَمهم على نقلِ ذلك، ولعَرَفه النَّاس.

وفي تقرير هذا، يتساءَل (رشيد رضا) سُؤالَ مستنكرٍ:

«أين هذه الجزيرة الَّتي رَفأَ إليها تميم وأصحابه في سفينتهم؟ إنَّها في بحر الشَّام، أو بحر اليَمن؛ كما في اللَّفظِ المرفوعِ -إنْ صحَّ الحديث-؛ أي: في الجهةِ المقابلةِ لسواحلِ سورية مِن البحر المتوسِّط، أو الجهة المجاورة لشواطئ اليَمن من البحر الأحمر: وكلٌّ مِن البَحرين قد مَسَحه البحَّارة في هذه الأزمنة مَسْحًا، وجابوا سطحَهما طولًا وعرضًا، وقاسوا مياهَهما عُمقًا عُمقًا، وعَرفوا جزائرَهما فردًا فردًا؛ فلو كان في أحدِهما جزيرةٌ فيها دير، أو قصرٌ حُبس فيه الدَّجال، وله جسَّاسة فيها تُقابل النَّاس، وتنقل إليه الأخبار: لعَرف ذلك كلَّه كلُّ الناس» (١).

ومثله (محمود أبو ريَّة)، لكن بنبرةِ المُستهزِئ قال: «لعلَّ علماء الجغرافيا يَبحثون عن هذه الجزيرة، ويعرفون أين مكانها مِن البحر! ثمَّ يخبروننا؛ حتَّى نرى ما فيها من غرائب الَّتي حدَّثنا بها سيِّدنا تميم الداري رضي الله عنه .. » (٢).

أمَّا (محمَّد الغزاليُّ)، فقد عَبَّر عن هذه المعارضةِ نفسِها بأسلوبه الأدبيِّ المعهود، قائلًا:

«وهَاكُم مَوقفًا آخرَ مِن واعظٍ يحبُّ الحكايات، ويَستنصِتُ النَّاسَ بما تحوي من العجائب! قال: إنَّ الدجَّال موجود الآن في إحدى الجُزر ببحر الشَّام أو بحر اليَمن، مشدود الوِثاق، وقد رآه تميم الدَّاري بعدما غرق في السَّفينة الَّتي كان يركبها هو وصحبُه، وتحادثوا معه، وهو على وشك الخروج!


(١) «تفسير المنار» (٩/ ٤٩٤).
(٢) «أضواء على السنة المحمدية» (ص/١٨٣ - هامش رقم [٢]).

<<  <  ج: ص:  >  >>