للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: وقد أذكرتني وصية عمر رضي الله عنه، وجعله النظر في وقفه إلى الأقرب فالأقرب من أهله وصية عالم الدنيا الإمام أبي عبد الله، محمد بن مرزوق التلمساني، شارح البردة فقد رأيت بخط الحافظ أبي العباس أحمد الونشريسي ناقلا بعض فصول وصية ابن مرزوق المذكور، في تحبيس كتبه على أولاده ونص بذلك: إن جميع ما احتوت عليه غرفتي التي لم أفارقها إلا منذ ثلاثة أيام وما احتوى عليه مسكني الآن، من دواوين الكتب والمفردات والكراريس وسائر التاليف، وما هو معار عند الناس حسبما ذلك مقيد في أزمتي محبّس على من يتعاطى العلم وعرف بالإشتغال به من ذريتي، من أي جهة كانوا فينتفعون بمطالعة ما يحتاجون إليه منها، إلا أن أولادي الذكور وأولادهم أولى بالتقديم عند ازدحام حاجتهم إلى ما يطالع منها، كما إن الأولى فالأولى الأعلى فالأعلى من أولادي الذكور أولى عند ذلك أيضا، وإن متولي النظر في كتبي المذكورة الأقرب فالأقرب والأعلم الأدين، فإن لم يجتمع الوصفان فالأدين ثم الأعلم، ثم الأقرب مع أمانتهما عليها، فإن لم يؤمنا فالأمين كيف كان اهـ.

ومن خط الونشريسي نقلت واستفدت. وممن ثبت عنه الوقف من الصحابة سيدنا علي كرم الله وجهه، ففي مسند أحمد وغيره أن عليا قال: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألفا.

وفي رواية أربعين ألف دينار «١» . وفي تهذيب الأسماء للنووي: قال العلماء لم يرد به زكاة مال يملكه، وإنما أراد الوقوف التي تصدق بها وجعلها صدقة جارية، وكان الحاصل من غلتها يبلغ هذا القدر اهـ.

وفي الأم للشافعي أخرج إليّ والي المدينة صدقة علي بن أبي طالب، وأخبرني أنه أخذها من آل أبي رافع، وإنها كانت عندهم فأمرهم فقرئت علي اهـ أنظر الأم وممن ثبت عنه الوقف من كبار الصحابة، سيدنا عثمان بن عفان، ففي طبقات ابن سعد، أنه ترك صدقات كان يتصدق بها ببراديس وخيبر ووادي القرى قيمة مائتي ألف دينار. وممن ثبت عنه الوقف من كبار الصحابة سيدنا الزبير بن العوام، فقد خرج ابن سعد في ترجمته من الطبقات: أنه جعل دارا له حبسا على كل مردودة من بناته، وأنه أوصى بالثلث. وممن أوقف من كبار الصحابة سيدنا العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، ة فقد ترجم الحافظ محب الدين الطبري في ذخائر العقبى، في ترجمة العباس بن عبد المطلب: فذكر صدقته رضي الله عنه بداره على المسجد الشريف النبوي ليوسعه، عن كعب قال: كان للعباس دار، فلما أراد عمر توسعة المسجد قال العباس: قد جعلتها صدقة على مسجد المسلمين، قال الحافظ الطبري: حديث صحيح. وانظر ترجمته من طبقات ابن سعد.


(١) انظر المسند الجزء الأول ١/ ١٥٩ وفي طبعة المكتب الإسلامي ١/ ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>