للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفة وهي السنة لأن السنة في عرف الشرع ما أقره عليه السلام أو عمله أو علّمه. وكان عليه السلام يحسن إليهم ويؤنسهم، ولم يأمرهم بتكسب.

وفي صحيح مسلم عن أنس قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه أن يبعث معهم رجالا يعلمونهم القرآن والسنة، فبعث معهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القرّاء منهم خالي حرام- بحاء مهملة وراء- يقرأون القرآن ويتدارسونه، وبالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة، والفقراء. فبعثهم إليهم فقتلوهم، قبل أن يبلغوا المكان، فهؤلاء لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم ولا نهى القراء عن خدمتهم، ثم ذكر حديث البخاري السابق وقال إثره: فصح أنهم كانوا فقراء متجردين يقرأون في المسجد غير متسببين، وهذه الصفة هي صفة الفقراء المتجردين اليوم.

قال أبو طلحة: كنا نأتي المدينة فمن كان له بها عريف نزل عليه وإلا نزل بالصفة. وكان الراتبون بالصفة نحو أربعمائة رجل منهم أبو هريرة وابن أم مكتوم وصهيب وسلمان وخباب وبلال، والمؤمنون به عليه السلام ومنهم من قام بالقراءة ومنهم من ركن للعبادة، وهم أهل الصفة والكل في عبادة وسنة، ولما كان المهاجرون والأنصار لهم قبائل وعشائر انضاف بعضهم إلى بعض، فجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الصفة وضمهم إليه إذ كانوا لا يملكون شيئا ولا لهم بيوت يسكنون فيها، ولا قبائل ينضافون إليها، فصاروا كالقبيلة الواحدة وكذلك الفقرا اليوم، ومنهم الذين قال تعالى فيهم:

تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ [التوبة: ٩٣] كانوا ضعفاء عن الجهاد قال تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الأنعام: ٥٢] ونزل في حق ابن أم مكتوم عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى فقد ظهرت صفة أهل الصفة الذين يقتدي بهم الفقراء المتجردون.

يا طالبا من الإله الزلفة ... لا تنتحي لغير أهل الصفة

وليّن القول لهم برأفة ... فإنهم أهل التقى والألفة

وفي تكملة السيوطي لتفسير المحلي على قوله تعالى: الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة: ٢٧٢] إنها نزلت في أهل الصفة وهم أربعمائة من المهاجرين أرصدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا، ومعنى الذين أحصروا في سبيل الله: أي حبسوا أنفسهم على الجهاد وقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ [البقرة: ٢٧٣] أي للتجارة والمعاش لشغلهم بالجهاد اهـ.

وقال ابن ليون التجيبي في محل آخر من رسالته: وفي الصحيح: أن أهل الصفة لم يتسببوا ولا اشتغلوا بغير الذكر والفكر والقعود في المسجد، وكان القرّاء يخدمونهم، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يطعمونهم وقال لهم: أبشروا يا أهل الصفة، فترك التسبب طريقة أقرها النبي

<<  <  ج: ص:  >  >>