ثم الخاتمة- فيها فوائد في تقدم العرب في الاختراعات والفنون، وكونهم أساتذة أوروبا باعتراف ساستهم والمنصفين من محققيهم.
وبتتبعك لأبواب الكتاب، ووقوفك على الحقيقة في المدونين تعلم أننا أتينا على زبدة كتاب الخزاعي، وحذفنا مكرره واستطراده، وما لا حجة أو حاجة فيه. وزدت عليه أضعاف أضعاف ما ذكر من كل قسم، من الحرف والصنائع والعمالات والصفات، بحيث وفقنا (والحمد لله) لكثير من المظان التي لا تخطر ببال ولا كانت في الحسبان. ولم أقلد أبا الحسن الخزاعي في غالب عزوه، ولذلك إن كان الكتاب الذي نقل عنه مطبوعا أذكر الصحيفة الواقع فيها ما نقل منه. ولا شك أن مواد هذا الموضوع سهلت الآن بما أظهرته مطابع الشرق والغرب، من الضنائن التي بتتبع أسماء فهارس المطبوعات شرقا وغربا، لا يبقى ريب في أنه يتيسر اليوم ما عسر أدراكه على كثير ممن سبق، وليس بعد العيان بيان.
وبذلك تتحقق بأحقية قول الجاحظ: ما على الناس شيء أضر من قولهم: ما ترك الأول للآخر شيئا.
وقد قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر وقد نقل قول علي كرم الله وجهه: قيمة كل امرىء ما يحسن فقال: إنه لم يسبق إليه أحد قال: وأي كلمة أحض على طلب العلم منها؟
قال: وما كان أضر بالعلم وبالعلماء وبالمتعلمين من قول القائل: ما ترك الأول للآخر شيئا اهـ وقال أبو الحسن المسعودي في كتابه «النبيه» المطبوع في أوروبا وقد تشترك الخواطر وتتفق الضمائر وربما كان الأخير أحسن تأليفا وأمتن تصنيفا لحكمة التجارب وخشية التتبع والاحتراس من موانع المضار؛ ومن هاهنا صارت العلوم نامية غير متناهية، لوجود الأخير ما لا يجده الأول وذلك إلى غير غاية محصورة ولا نهاية محدودة.
على أن من شيم كثير من الناس إطراء المتقدمين، وتعظيم كتب السالفين ومدح الماضي وذم الباقي، وإن كان في كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة وأكثر عائدة. ثم حكي عن الجاحظ على جلالة قدره بين الكتاب والبلغاء أنه قال: كنت أؤلف الكتاب الكثير المعاني الحسن النظم، وأنسبه إلى نفسي، فلا أرى الأسماع تصغي إليه، ولا الإرادات تبتسم نحوه، ثم أؤلف ما هو أنقص منه رتبة وأقل فائدة، وأنحله عبد الله بن المقفع، أو سهل بن هارون، أو غيرهما من المتقدمين ممن سارت أسماؤهم بين المصنفين، فيقبلون على كتبها، ويسارعون إلى نسخها، لا لشيء إلا نسبتها للمتقدمين. ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو في عصرهم، ومنافسته على المناقب التي عزّ تشييدها. قال:«وهذه الطائفة لا يعبأ بها كبار الناس، وإنما العمل على أهل النظر والتأمل، الذين أعطوا كل شيء حقه من القول، ووفوه قسطه من الحق، فلم يرفعوا المتقدم إذا كان ناقصا، ولم ينقصوا المتأخر إذا كان زائدا، فلمثل هولاء تصنف العلوم وتدون الكتب» .
وإذا كان هذا في ذلك الزمن زمن نفاق أسواق العلم، ورجحان أهله بالمدارك والغايات، فكيف بزماننا هذا زمن التأخر والانحطاط والتقليد الأعمى لكل مستهجن، وغلبة