للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِن أعيا عَلَيْك فَلم تَجدهُ ... فنبت الأَرْض وَالْمَاء القراح

فَإِن الْفقر إلْف فنَاء قوم ... وَإِن أسوك وَالْمَوْت الرواح

وفنت وضاحي مَعْنَاهُ: فنيت دراهمي، فنت بلغَة طَيء، يَقُولُونَ فِي فني فنى وَفِي رَضِي رضى وَفِي بَقِي بقى، قَالَ الشَّاعِر:

لعمرك مَا أخْشَى التصعلك مَا بقى ... على الأَرْض قيسي يَسُوق الأباعرا

واللأواء والشصاصاء: الشدَّة وكلب الزَّمَان.

قَالَ القَاضِي: الَّذِي ذكره أَبُو بكرٍ فِي نفى ورضى وبقى أَنه لُغَة طَيء هُوَ على مَا ذكر، وَقد ذكرنَا من هَذِه اللُّغَة وحكايتها صَدرا فِي مَا مضى من مجَالِس كتَابنَا هَذَا، وَقد تتداخل لُغَات الْعَرَب وَيَأْخُذ بَعضهم من لُغَة بعض، قَالَ زُهَيْر:

تربع صارةً حَتَّى إِذا إِذا ... فنى الدحلان عَنْهُ والأضاء

يُرِيد فني..

إِسْمَاعِيل بْن صَالح يُغني الرشيد حَدثنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطَّالقَانِي قَالَ حَدَّثَنِي فضل اليزيدي عَن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن صبيحٍ قَالَ: قَالَ الرشيد للفضل بن يحيى وَهُوَ بالقرقة: قد قدم إِسْمَاعِيل بْن صَالح بْن عَليّ وَهُوَ صديقك، وَأُرِيد أَن أرَاهُ، فَقَالَ لَهُ: إِن أَخَاهُ عبد الْملك فِي حَبسك، وَقد نَهَاهُ أَن يجيئك، قَالَ الرشيد: فَإِنِّي أتعلل حَتَّى يجيئني عَائِدًا، فتعلل، فَقَالَ الْفضل لإسماعيل: أَلا تعود أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: بلَى، فَجَاءَهُ عَائِدًا، فأجلسه ثُمَّ دَعَا بالغداء فَأكل، وَأكل إِسْمَاعِيل بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الرشيد: كَأَنِّي قد نشطت برؤيتك إِلَى شرب قدح، فَشرب وسقاه، ثُمَّ أَمر فَأخْرج جوارٍ يغنين وَضربت ستارة وَأمر بسقيه، فَلَمَّا شرب أَخذ الرشيد الْعود من يَد جاريةٍ وَوَضعه فِي حجر إِسْمَاعِيل، وَجعل فِي عنق الْعود سبْحَة فِيهَا عشر درات اشْتَرَاهَا بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَقَالَ: غنني يَا إِسْمَاعِيل وَكفر عَن يَمِينك بِثمن هَذِه السبحة فَانْدفع يُغني بِشعر الْوَلِيد بن يزِيد فِي غلية أُخْت عمر بْن عبد الْعَزِيز وَكَانَت تَحْتَهُ، وَهِي الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا سوق غَالِيَة بِدِمَشْق:

فأقسم مَا أدنيت كفي لريبةٍ ... وَلَا حَملتنِي نَحْو فاحشةٍ رجْلي

وَلَا قادني سَمْعِي وَلَا بَصرِي لَهَا ... وَلَا دلَّنِي رَأْيِي عَلَيْهَا وَلَا عَقْلِي

أعلم أَنِّي لم تصبني مُصِيبَة ... من الدَّهْر إِلَّا قد أَصَابَت فَتى قبلي

فَسمع الرشيد أحسن غناءٍ من أحسن صوتٍ، فَقَالَ: الرمْح يَا غُلَام، فجيء بِالرُّمْحِ، فعقد لَهُ لِوَاء على إِمَارَة مصر، قَالَ إِسْمَاعِيل: فَوليتهَا سِتّ سِنِين، أَو سعتهم عدلا وانصرفت بِخَمْسِمِائَة ألف دينارٍ، قَالَ: بلغت عبد الْملك أَخَاهُ ولَايَته فَقَالَ: غنى وَالله الْخَبيث لَهُم، لَيْسَ هُوَ لصالح بابنٍ.

<<  <   >  >>