مِنْهَا. ثُمَّ دَعَا مُعَاوِيَةُ خَادِمًا لَهُ مِنْ أَبَرِّ خَدَمِهِ عِنْدَهُ وخصهم لَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ فَزُرْهُ، وَإِذا حضر اباب فَأَلْطِفْهُ وَأَكْرِمْهُ وَأَوْقِعْ فِي قَلْبِهِ كَثْرَةَ ذِكْرِي لَهُ وَأَنِّي رُبَّمَا ذكرته عِنْد نِسَائِي وَحَرَمِي وَحَيْثُ لَا يُذْكَرُ فِيه أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلا لِقَدْرِهِ عِنْدِي وَمَنْزِلَتِهِ مِنِّي، فَإِذَا أَوْقَعْتَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ فَأَعْلِمْنِي، فَفَعَلَ الْخَادِمُ مَا أَمَرَهُ بِهِ حَتَّى ظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْخَادِمِ: انْطَلِقِ الآنَ شِبْهَ النَّاصِحِ وَالْمُتَحَظِّي عِنْدَهُ فَمُرْهُ أَنْ يَخْطُبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أَحَبَّ. فَتَهَيَّأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ لِذَلِكَ وَهَيَّأَ لَهُ كَلامَهُ، فَأَدْخَلَهُ الْخَادِمُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَبَرَّهُ وَأَلْطَفَهُ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ يُحَدِّثُهُ، وَدَعَا بِالطَّعَامِ وَأَلْوَانِ الأَشْرِبَةِ وَأَقْبَلَ يَسْتَطْعِمُهُ الْكَلامَ، فَحَصِرَ عَبْدُ اللَّهِ وَانْقَطَعَ وَانْقَبَضَ وَهَابَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ حِينَ رَأَى حصره وهيبته: إِنَّه لن يَمْنَعُكَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْخَلْوَةُ، قُلْ مَا أَحْبَبْتَ وَانْبَسِطْ فِي كَلامِكَ وَسَلْ مَا أَحْبَبْتَ فَدَعَا لَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَانْصَرَفَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ فِي شَيْءٍ، فَدَعَا مُعَاوِيَةُ خَادِمَهُ ذَلِكَ فَأَعْلَمَهُ أَنَّ الرَّجُلَ هَابَ وَحَصِرَ؛ فَاغْدُ إِلَيْهِ وَمُرْهُ أَنْ يَسْأَلَ حَاجَتَهُ وَشَجِّعْهُ وَأَعْلِمْهُ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قاضٍ حَاجَتَهُ. فَمَضَى الْخَادِمُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَأَمَرَهُ بِالْعَوْدِ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَمَسْأَلَتِهِ حَاجَتِهِ فَإِنَّهُ لَنْ يُمْنَعَ مَا يُرِيدُ؛ فَغَدَا عَبْدُ اللَّهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَكْرَمَهُ وَأَلْطَفَهُ وَدَعَا لَهُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَلَمَّا أَكَلا وَشَرِبَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: جِئْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي حاجةٍ عَلَى حُسْنِ ظَنِّي بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْزِلَتِي مِنْهُ، فَإِنْ وَافَقَ مِنْهُ مَا أَحَبَّ فَذَاكَ الَّذِي أَبْغِي، وَإِنْ خَالَفَهُ فَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ موجدته، قَالَ مُعَاوِيَة: تكلم يَا ابْن أَخِي بِمَا بَدَا لَكَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: جِئْتُكَ أَخْطُبُ ابْنَتَكَ رَمْلَةَ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ شِبْهَ الْمُنْكِرِ عَلَيْهِ الْمُسْتَعْظِمِ لَهُ وَالْمُنْقَبِضِ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: نَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ وَقَدْ سَقَطَ فِي يَدَيْهِ وَظَنَّ أَنَّهُ أَغْضَبَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ دَعَا مُعَاوِيَةُ خَادِمَهُ فَقَالَ: انْطَلِقِ الآنَ فَلا تَظْهَرْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ ابْنَ عامرٍ سَيَطْلُبُكَ، ثُمَّ الْقَهُ بعد وأعلمه أه أَحْمَقُ رَجُلٍ فِي قُرَيْشٍ وَأَقَلُّهُمْ عَقْلا حَيْثُ يَخْطُبُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ابْنَتَهُ وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا إِنَّمَا يُرِيدُ الإِضْرَارَ بِهَا وَأَنْ يُؤْذِيَهَا، وَتَشَدَّدْ بِذَلِكَ، وَمُرْهُ أَنْ يَعُودَ وَيَكْتُبَ كِتَابًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ هَذَا الأَمْرَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَضُرَّ بِابْنَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونَ عِنْدَهُ غَيْرُهَا، وَأَنَّهُ يُخَلِّي عَنْ كُلِّ امرأةٍ تَعْظِيمًا لِحَقِّهَا، فَفَعَلَ الْخَادِمُ ذَلِكَ ثُمَّ لَقِيَ ابْنَ عَامِرٍ فَبَلَغَ مِنْهُ مَا أَرَادَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَامِرٍ: كَيْفَ الْحِيلَةُ لإِصْلاحِ هَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: تَدْخُلُ إِنْ شِئْتَ أَوْ تَكْتُبُ كِتَابًا تَذْكُرُ فِيهِ أَنَّكَ مُطَلِّقٌ لِنِسَائِكَ إِكْرَامًا لابْنَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْظِيمًا لِحَقِّهَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عَامِرٍ، فَلَمَّا قَرَأَ مُعَاوِيَةُ كِتَابَهُ دَعَا بعشرةٍ مِنْ قريشٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ عَرَفْتُمْ حَالَ ابْنِ عَامِرٍ فِي شَرَفِهِ وَحَسَبِهِ وَمَكَانِهِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَرَابَتِهِ، وَقَدْ خَطَبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ابْنَتَهُ، وَقَدْ زَوَّجَهُ عَلَى مَا ضَمِنَ مِنْ تَطْلِيقِ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ: فَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَمَا قَالَ أَبُو
الْعَيْنَاءِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: فَإِنَّ هِنْدَ بِنْتَ سُهَيْل بن عَمْرو طلق أَلْبَتَّةَ، فَدَعَا لَهُ مُعَاوِيَةُ وَالْقَوْمُ جَمِيعًا. ثُمَّ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى دارٍ سِوَى الدَّارِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنِ اعْتَدِّي، فَلَمَّا أَتَاهَا الرَّسُولُ قَالَتْ لَهُ: وَيْحَكَ مَالَكَ؟ قَالَ: طَلَّقَكِ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَتْ: مَا أَظُنُّهُ فَعَلَ هَذَا وَعَقْلُهُ مَعَهُ، ثُمَّ سَأَلَتْ عَنِ الأَمْرِ فَأُخْبِرَتْ، فَدَعَتْ قَهْرَمَانَهَا فَأَمَرَتْهُ أَنْ يُجَهِّزَهَا، ثُمَّ ارْتَحَلَتْ نَحْوَ الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ: فَرَّقَ مُعَاوِيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِي لِيَتَزَوَّجَنِي، وَاللَّهِ لَا يَصِلُ إِلَى ذَلِكَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى أُمِّهِ، وَقِيلَ لِمُعَاوِيَةَ إِنَّهَا قَدْ شَخَصَتْ، قَالَ: دَعْهَا فَلْتَذْهَبْ حَيْثُ شَاءَتْ فَلَعَمْرِي لَا تَخْرُجُ مِنْ سُلْطَانِي إِلا أَنْ تَخْرُجَ إِلَى أَرْضِ الشّرك. ناء، وَقَالَ غَيْرُهُ: فَإِنَّ هِنْدَ بِنْتَ سُهَيْل بن عَمْرو طلق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute