للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَلْبَتَّةَ، فَدَعَا لَهُ مُعَاوِيَةُ وَالْقَوْمُ جَمِيعًا. ثُمَّ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى دارٍ سِوَى الدَّارِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهَا أَنِ اعْتَدِّي، فَلَمَّا أَتَاهَا الرَّسُولُ قَالَتْ لَهُ: وَيْحَكَ مَالَكَ؟ قَالَ: طَلَّقَكِ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَتْ: مَا أَظُنُّهُ فَعَلَ هَذَا وَعَقْلُهُ مَعَهُ، ثُمَّ سَأَلَتْ عَنِ الأَمْرِ فَأُخْبِرَتْ، فَدَعَتْ قَهْرَمَانَهَا فَأَمَرَتْهُ أَنْ يُجَهِّزَهَا، ثُمَّ ارْتَحَلَتْ نَحْوَ الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ: فَرَّقَ مُعَاوِيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِي لِيَتَزَوَّجَنِي، وَاللَّهِ لَا يَصِلُ إِلَى ذَلِكَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى أُمِّهِ، وَقِيلَ لِمُعَاوِيَةَ إِنَّهَا قَدْ شَخَصَتْ، قَالَ: دَعْهَا فَلْتَذْهَبْ حَيْثُ شَاءَتْ فَلَعَمْرِي لَا تَخْرُجُ مِنْ سُلْطَانِي إِلا أَنْ تَخْرُجَ إِلَى أَرْضِ الشّرك.

فَلَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: إِنَّ عِدَّتِي لَمْ تَنْقَضِ، فَقَالَ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِعِدَّتِكِ، فَقَالَتْ: فَإِنِّي لَا أُخْبِرُكَ دُونَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَأْتِيَنِي لأَمْرٍ أَسْتَفْتِيكَ فِيهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: إِنَّ مِثْلِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ لِلْفُتْيَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: إِنْ لَمْ تَأْتِنِي أَتَيْتُكَ فِي مجلسٍ حَاسِرَةً فَإِنْ كُنْتَ تَرْضَى أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْكَ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَاسِرَةً حَتَّى تُفْتِيَهَا فَأَنْتَ وَرَأْيُكَ، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ وَخَرَجَ حَتَّى أَتَاهَا، فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ وَأَمْسَكَ جَوَارِيهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَوْبًا، فَحَمِدَتِ اللَّهَ وَصَلَّتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ: أعندك يَا ابْن رَسُولِ اللَّهِ خَيْرٌ؟ قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَلْجَأْتِنِي إِلَى أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلامِي، مَنْ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ الْخَيْرُ مِنِّي وَأَدْنَى طَرَفَيْ رَسُولُ اللَّهِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، قَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ مُعَاوِيَةَ فِي فُرْقَتِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِي مَا أَحْسِبُ أَنَّهُ قد بلغك، وَوَاللَّه مَالِي فِيهِ مِنْ حَاجَةٍ، وَلَقَدِ اخْتَرْتُكَ لِنَفْسِي، فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَدًا أَحَقَّ بِي مِنْكَ فَقَدْ رَضِيتُ بِحُكْمِكَ، أَوْ مَا شِئْتَ، قَالَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ عَلِمْتِ مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ حَتَّى أَصْلَحَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَهَذَا أَمْرٌ مَا أُحَدِّثُ بِهِ نَفْسِي، وَمَالِي يَوْمِي هَذَا فِيهِ مِنْ حَاجَةٍ، قَالَتْ: أُذَكِّرُكَ اللَّهَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ نَفْسِي بَعْدَ إِذْ بَذَلْتُهَا لَك واخترتك، قَالَ: مَالِي إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، فَلَمَّا رَأَتْ تَأَبِّيهِ عَلَيْهَا قَالَتْ لِجَوَارِيهَا نَحِّينَ الثَّوْبَ عَنِّي، فَنَحَّيْنَ الثَّوْبَ فَإِذَا بِمثل الْقَمَر لأَرْبَع عشرَة، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسِنِ النِّسَاءِ وَأَتَمِّهِنَّ وَكَانَ الْحَسَنُ صَاحِبَ نِسَاءٍ، فَلَمَّا رَأَى جَمَالَهَا، وَلَمْ يَكُنْ رَأَى مِثْلَهَا، أَخَذَتْ بِقَلْبِهِ، فَقَالَ: قَدْ رَضِيتُ وَقَبِلْتُ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَشْهَدَتْهُمْ أَنَّهَا قَدْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وأشهدهم أَنه قد تزَوجهَا علاى كَذَا وَكَذَا، وَبَلَغَ الْخَبَرُ مَرْوَانَ فَأرْسل إِلَى السحن فَحَبَسَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَحَبَسَهَا وَأَقَامَ عَلَيْهَا الرُّقَبَاءَ، وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُعْلِمُهُ أَنَّ الْحَسَنَ وَثَبَ فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ عِلْمِ قاضٍ وَلا سلطانٍ وَلا وَلِيٍّ، جُرْأَةً عَلَيْكَ وَخِلافًا لَكَ، وَإِنِّي قَدْ أَمَرْتُ بِحَبْسِهِمَا إِلَى إِن يَأْتِين مِنْكَ رَأْيٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فَهِمْتُ مَا كَتَبْتَ بِهِ فِي أَمْرِ الْحَسَنِ وَأَمْرِهَا، وَقَدْ أَجَبْتُكَ فِي ذَلِكَ بِكِتَابٍ بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْكَ مَخْتُومًا، فَاجْمَعْ إِلَيْكَ ثَلاثِينَ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ فُضَّ الْخَاتَمَ بِحَضْرَةِ الْحَسَنِ وَحَضْرَةِ الْقَوْمِ، ثُمَّ اقْرَأْ كِتَابِي وَاعْمَلْ بِمَا

<<  <   >  >>