للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد يُقَال فِي الوسادة إسادة فتبدل الْوَاو همزَة استثقالا لابتداء الْكَلِمَة بهَا كَمَا قَالُوا: إشاح ووشاح ووجوه وأجوه، وَحكى عَن الْعَرَب سَمَاعا: مَا أحسن هَذِه الأجوه، فِي كثير من الْكَلَام، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:

يحل أحيده وَيُقَال بعل ... وَمثل تمولٍ مِنْهُ افتقار

أَصله وحيده. وَهَذَا بَاب نأتي على شَرحه وتفصيله وَذكر جائزه وممتنعه وَمَا هُوَ مرسوم فِيهِ، وَقد قَرَأت عَامَّة القرأة " وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ " المرسلات: ١١ وَهُوَ من الْوَقْت، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر الْمدنِي وقتت بِالْوَاو وَالتَّخْفِيف، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بِالْوَاو وقتت، عل الأَصْل أَيْضا، غلا أَنه شدده؛ وهم يكْرهُونَ كثيرا افْتِتَاح الْكَلَام بِالْوَاو، وخاصة إِذا تَكَرَّرت، وَقَالُوا إِن ذَلِك يشبه بنباح الْكلاب، وَقَالُوا فِي تَصْغِير وَاصل أَو يصل وَفِي جمعه أواصل فقلبوا الْوَاو همزَة، وَيَقُولُونَ حضر زيد وواصل فَلَا يقلبون لِأَن الْوَاو زيدت للْعَطْف كالفاء وَثمّ وَلَيْسَت من سنخ الْكَلَام فِي أَصْلهَا، وَيُقَال فلَان يتوسد الْقُرْآن وَهَذَا يكون مدحًا بِمَعْنى يَجعله وسَادَة أَي يتلوه مَكَان توسده إِيَّاه، وَيكون ذمًا أَي ينَام عَن الْقيام بِهِ وتأدية الْحق فِيهِ. وَجَاء عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي رجل ذكر عِنْده: " ذَاك رجل لَا يتوسد الْقُرْآن ". وَرُوِيَ عَن عدي بْن حَاتِم أَنه ذكر للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه جعل تَحت وساده خيطين أسود وأبيض فَلم يبن لَهُ بذلك أَمر الْفجْر، فَقَالَ لَهُ: إِنَّك لَعَرِيض الوسادة، ويروى عَنْهُ أَنه قَالَ لَعَرِيض الْقَفَا، إِنَّمَا هُوَ بَيَاض النَّهَار من سَواد اللَّيْل. فَأَما اشتقاق اسْم المرفقة من الْمرْفق فَهُوَ بَاب مَعْرُوف مُسْتَمر، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ مخدة من الخد لِأَنَّهُ يوضع عِنْد الِاضْطِجَاع عَلَيْهَا، وَيَقُولُونَ مصدغة من الصدغ، وَقد يَقُولُونَ مزدغة فيبدلون من الصَّاد زايا لسكونها وإتيان الدَّال تالية لَهَا، وَهَذِه لُغَة مَعْرُوفَة فِي الْعَرَبيَّة، وَقد قَرَأَ بعض القرأة بهَا فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن كَقَوْلِه يصدر ويصدقون وَقصد السَّبِيل. وَقَوله: قد ذهبت عَنْهَا اللحمة وَبَقِي السدى، فاللحمة لحْمَة الثَّوْب والسدى سداه، وَاللَّام هَاهُنَا مَفْتُوحَة، فَأَما لحْمَة النّسَب فمضمومة وَكَذَلِكَ لحْمَة الْبَازِي والصقر وَهُوَ مَا أطْعمهُ إِذا صَاد. وَقَوله: من رسحها فَإِنَّهُ يُقَال مِنْهُ: امْرَأَة رسحاء وَرجل أرسح إِذا كَانَ مؤخرهما من الْعَجز وَمَا وَالَاهُ عَارِيا من اللَّحْم. وَقَول غرير: وَأخذت شاذكونة مَعْنَاهُ وسَادَة، وَهِي عِنْدِي فِي الأَصْل فارسية تكلم بهَا من تكلم من الْعَرَب، وَهِي مُشْتَقَّة من مَوضِع الْجُلُوس وَيُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كَون وَهَذَا من الْبَاب الَّذِي بَينا الِاشْتِقَاق فِيهِ كالمصدغة والمخدة. وَقد فسر أَبُو عُبَيْدَة الزرابي فِي قَول الله جلّ ثَنَاؤُهُ: " وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ " الغاشية: ١٦ فَقَالَ: هِيَ الْبسط كَمَا قَالَ غَيره من أهل التَّأْوِيل والعربية، ثُمَّ قَالَ: وَاحِدهَا زربية ثُمَّ قَالَ: والزرابي فِي لُغَة أُخْرَى الشواذكين وأتى بِهِ على هَذَا اللَّفْظ فِي الْجمع. وَقَوله: الدجر بالنوى حكى بذلك نِدَاء من يطوف بالدجر من باعته ويعرض بَيْعه بالنوى، كَأَنَّهُ يَقُول اشْتَروا الدجر بالنوى أَو يَعْنِي الدجر يُبَاع بالنوى،

<<  <   >  >>