قال: لأنَّ أقبل فعل غير متعد قال اللَّه تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ} فعدى بالحرف، وكذلك تقول: أقبلت بوجهي عليه. وقال أبو المضاء: نحو قول أبي عليّ. وقال قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل: تقول: أقبلت الإبل كذا، إذا استقبلت به الإبل بسوقك، ومنه الحديث:"أن حكيم ابن حزام كان يشتري العير من الطعام والإدام ثم يقبلها فم الشعب". وأنشد أبو عمرو الشيباني:
أقبلتها الخيل من شوارن مصعدة … إني لأزري عليها وهى تنطقُ
وكذلك قال المرار الأسدي يصف إبلًا:
فأقبلتها الشمس راع لها … رهين لها بجفاء العشاء
وقوله: رهين: أي، ضامن من أن يجعل عشاءها السير.
قال أبو الحجاج: وإذا كثر هذه الكثرة في المنظوم والمنثور كان تأول أبي عليّ -رحمه اللَّه- بعيدًا، لأن حذف حرفي جرّ في عامل واحد تعسف. وقد قال في (كررت على مسمع) أن ذلك لا يؤخذ به ما وجدت مندوحة عنه. وقد قال أبو زيد في نوادره:"استقبلت الماشية الوادي، وأقبلتها إيَّاه، إذا أقبلت بها نحوه. وقبلت الماشية الوادي تقبله قبولًا، إذا استقبله وكذا حكى الهجري أيضًا".