فمن ذلك قولهم: إن الإنسان إذا تناهى في الضحك بكى، وإذا تناهى في الغم ضحك، وإذا تناهى في العظة أهمل، وأبلغ من هذا قول أبي الطيب المتنبي:
ولجُدْتَ حتى كِدْتَ تَبْخَلُ حائِلاً ... للمُنْتَهى ومن السرورِ بُكَاءُ
والطريق في هذا ونحوه، معرفة مسلوكة، فهذا في غير صناعة الإعراب مطروق، وإذا كان مطروقاً، تأنست به في صناعة الإعراب. فمن ذلك قول إسحاق، في ذكر العلة التي امتنع لها، أن يقولوا:"مازال زيد إلا قائما". وتلك العلة نفي النفي، وإذا انتفى النفي، عاد إلى الإيجاب. وعلى هذا المساق، أن يكون قولهم: ظلمة وظلم، وسدرة وسدر، وقصعة وقصاع، وذلك أن الجمع يحدث للواحد تأنيثاً، نحو قولهم: هذا جمل وهذه جمال، وهذا رجل وهذه رجال قد أقبلت. وكذلك ذكر وذكارة، وعير وعيورة. فلما كانت ظلمة وقصعة وسدرة مؤنثات، وأردت تكسيرها، صرت كأنك أردت تأنيث المؤنث، فاستحال بك الأمر إلى التذكير، فقلت: ظلم وسدر وقصاع، فتراجعت للإيغال في التأنيث إلى لفظ التذكير.
ومنه قولهم: ثلاثة رجال وثلاثة نسوة. فعكسوا الأمر على ما تراه، والأجل ذال قالوا: امرأة صابرة، وغادرة، فألحقوا علم التأنيث. فإذا بالغوا وتناهوا في ذلك، قالوا: صبور وغدور، وكذلك رجل ناكح، فإذا بالغوا، قالوا: نكحة.