للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَالَ: (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) (١).

وجه الدلالة من الحديثين:

يستدل بهما من وجهين:

١ - معنى قول: (أبردوا) أي تأخروا بها وصلوها إذا انكسر الحرّ، وهذا عام في كل حال يستحب من أجله الإبراد، ولم يرد في النص تقييد أو تخصيص للبلاد الحارة دون غيرها (٢).

يمكن أن يناقش: ثبت في السنة أن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - هو تعجيل الظهر، بدليل ما ورد عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْكُمْ) (٣) ومعنى ذلك: أن التعجيل هو الأصل الذي اعتاده، وأما الإبراد لم يكن في العرف النبوي -مع حرارة الصيف في المدينة-إلا عند اشتداد الحر؛ وهو منتفٍ في البلاد المعتدلة.

٢ - أن العلة من الإبراد ليست مجرد شدة الحر، بل وجود المشقة في شدته (٤)، وهذا المعنى موجود في جميع البلاد، فيعم ما كان ذا طبيعة حارة منها، وما كان ذا طبيعة معتدلة.

يمكن أن يناقش: لا تتحقق المشقة إلا مع شدة الحر، وشدة الحر الذي تحصل به المشقة لا يكون إلا في البلاد الحارة.

الدليل الثاني: الحر ينتهي إلى مبلغ يتأذى الناس فيه من الشمس، والتأذي بحر الشمس جار في


(١) تقدم تخريجه ص ١٧٤.
(٢) انظر: فتح الباري، لابن رجب (٤/ ٢٣٨، ٢٣٩)، إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم (٢/ ٥٨٠)، المغني (١/ ٢٨٢).
(٣) رواه الترمذي في سننه، أبواب الصلاة، باب ماجاء في تأخير صلاة العصر (١/ ٢٣١) (١٦١)، وأحمد في مسنده (٤٤/ ٨١) (٢٦٤٧٩)، قال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (١/ ١٦١): "صحيح".
(٤) انظر: طرح التثريب في شرح التقريب، للعراقي (٢/ ١٥٦).

<<  <   >  >>