للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث نصٌّ صريح في أن المحرِم يحل من إحرامه التحلل الأوّل بعد الرمي والحلق، ومقتضى ذلك حرمة الجماع قبل الحلق وفساد الحج به (١).

نوقِشَ: هذا الحديث ضعيف، فلا يصحُّ الاحتجاج به (٢).

والذي صح في ذلك هو ما رواه النسائي، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ، إِلَّا النِّسَاءَ) (٣) ومقتضاه حصول التحلل الأوّل بالرمي وحده، فمن جامع بعده لم يَفسد حجه ولو لم يحلق (٤).

الدليل الثاني: المحرِم ممنوع من الوطء قبل التحلل الأوّل لإبقاء الإحرام عليه، فلو جامع قبل الحلق فسد حجه، كما لو جامع قبل الوقوف (٥).

نوقِشَ: المحرِم بعد رمي جمرة العقبة ليس بمحرمٍ، بدليل إباحة قتل الصيد ولبس الثياب له، وإنما بقي عليه شيء من الإحرام وهو تحريم الوطء، ومجرد تحريم الوطء لا يُفسد ما مضى قبله من العبادة (٦).

[الترجيح]

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - القول الأوّل القائل: لا يفسد حج من جامع بعد رمي جمرة العقبة ولم يحلق؛ لقوة هذا القول وصحة أدلته، في مقابلة


(١) انظر: نخب الأفكار (١٠/ ١٠٨).
(٢) مداره على الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف، ومع ذلك فاضطرب في إسناده ولفظه. ورواه أبو داود بلفظ «إِذَا رَمَى أَحَدُكُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، إِلَّا النِّسَاءَ».
انظر: التوضيح، لابن الملقن (١٢/ ١٨٠)، طرح التثريب في شرح التقريب (٥/ ٨١).
(٣) رواه النسائي، باب ما يحل للمحرم بعد رمي الجمار، (٥/ ٢٧٧) (٣٨٤). قال ابن الملقن في البدر (٦/ ٢٦٥): "إسناده حسن".
(٤) انظر: إرشاد الساري (٣/ ٢٥٢).
(٥) انظر: المنتقى، للباجي (٣/ ٥).
(٦) انظر: شرح العمدة، لابن تيمية (٢/ ٢٣٥).

<<  <   >  >>