للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: ما لا يدركه الطَّرْف من النجاسة وقوعه متحقق، فيصير بمنزلة الكثير منها أو ما يدركه الطرف؛ لأنها نجاسة متيقنة (١).

يمكن أن يناقش:

مع تحقق وقوع النجاسة في الحالين، إلا أن مدار الحكم على حصول المشقة.

ويمكن أن يستدل لهم بـ:

عن أبي هريرة-رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات) (٢).

وجه الدلالة من الحديث:

في الأمر بتطهير الإناء دليل على أن النجاسة تؤثر وإن لم تدرك، أو يظهر لها طعمًا، ولا ريحًا، ولا لونًا (٣).

[الترجيح]

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يعفى عن يسير النجاسة مما لا يدركه الطرف، وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول، ويعضده ما اجمع عليه العلماء من أن "المشقة تجلب التيسير" (٤)، وما لا يدركه الطَّرْف يشق الاحتراز منه، والقاعدة تقول: "الأمر إذا ضاق اتسع" (٥)، والمعنى أنه "إذا ظهرت مشقة في أمر فإنه يرخص فيه ويوسع" (٦)، ولا شك أن في القول بعدم العفو عن قليل النجاسة مما لا يدركه الطَّرْف


(١) انظر: البيان للعمراني (١/ ٣٢)، كفاية النبيه (١/ ١٥٥).
(٢) رواه مسلم في كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب (١/ ٢٣٤/ ٢٧٩).
(٣) انظر: اختلاف الحديث للشافعي (٨/ ٦١١).
(٤) الأشباه والنظائر، للسبكي (١/ ٤٥٣)، التحبير شرح التحرير، للمرداوي (٨/ ٣٨٤٧).
(٥) الأشباه والنظائر للسبكي (١/ ٤٩)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (٧٢).
(٦) القواعد الفقهية للزحيلي (١/ ٢٧٢).

<<  <   >  >>