للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علق النبي -صلى الله عليه وسلم- إتمام الحج بالوقوف بعرفة، وليس المراد حقيقة التمام؛ لبقاء ركن الطواف، فقد تم الحج حكمًا، ومقتضى التمام الحكمي أمن الفساد وامتناع وروده على حج من جامع بعد الوقوف بعرفة (١).

نوقِشَ من وجهين:

أ. معنى قوله - عليه السلام -: «الحج عرفة» أي معظمه عرفة، وهو الركن المتأكد فيه، ولا يلزم من أمن فوات الحج أمن فساده بدليل أن العمرة يؤمن فواتها ولا يؤمن فسادها (٢).

ب. إدراك العبادة في وقتها لا يمنع ورود الفساد عليها، كما لو أدرك المصلي الجماعة بركعة لم يمنع ذلك تعرض صلاته للفساد (٣).

الدليل الثالث: بعد الوقوف بعرفة لا يبقى على المحرم ركن إلّا طواف الإفاضة، والجماع قبله وبعد التحلل الأوّل لا يفسد به الحج، وإذا لم يبطل قبل الإفاضة مع بقاء الواجبات التي لو تركها بالكلية لم يبطل حجه؛ فلئن أفسدها لم يبطل من باب أَوْلى (٤).

نوقِشَ: ترك العبادة أخف من إبطالها بالكلية، ولهذا لو ترك صوم رمضان، لم تجب عليه كفارة، ولو جامع فيه مع النية، وجبت الكفارة، ولو ترك حج النافلة، لم يكن عليه شيء، ولو أبطله لأثِمَ، ولزمه القضاء والهدي، فإن جامع المحرِم بعد الوقوف وقبل التحلل فقد تعدى الحد، بخلاف التارك، وكذلك سائر العبادات فلو ترك رمي الجمرة حتى فات وقتها، أو ترك الحلق، فالإحرام باقٍ عليه (٥).

[الترجيح]

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل:


(١) انظر: التجريد، للقدوري (٤/ ١٩٨٥)، المبسوط، للسرخسي (٤/ ٥٧)، تبيين الحقائق (٢/ ٥٧)، فتح القدير (٣/ ٤٧).
(٢) انظر: الحاوي (٤/ ٢١٨)، المغني (٣/ ٣٠٩)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (٨/ ٣٣٣).
(٣) انظر: الاصطلام (٢/ ٢٣٠)، شرح العمدة، لابن تيمية (٢/ ٢٣٤).
(٤) انظر: التجريد، للقدوري (٤/ ١٩٨٦).
(٥) انظر: التعليقة، لأبي يعلى (٢/ ٢٣١)، شرح العمدة، لابن تيمية (٢/ ٢٣٤).

<<  <   >  >>