للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمكن أن يناقش: الأصل أن النهي يقتضي التحريم والتحريم يقتضي الفساد، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل (١).

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل-تكره الصلاة في الحمام، إلا موضع خلع الملابس، وجلوس الحمامي-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ (٢) قال: عَرَّسَ (٣) رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً، بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ. فَرَقَدَ بِلَالٌ، وَرَقَدُوا. حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ. فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ، وَقَدْ فَزِعُوا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذلِكَ الْوَادِي. وَقَالَ: (إِنَّ هذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ) (٤).

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على أن كل موضع علم وجود الشيطان فيه يستحب الخروج عنه وإقامة الصلاة في غيره (٥)، والحمام مأوى الشياطين فتصح الصلاة فيه وتكره، لأن المنع لا يعود على الصلاة (٦)، وأما موضع خلع الملابس وجلوس الحمامي فينتفي حكم الكراهة فيهما؛ لعدم تحقق المعنى الموجب لها (٧).


(١) انظر شرح العمدة لابن تيمية (١/ ٤٣٦)، تيسير التحرير (١/ ٣٨٧)، المهذب، عبد الكريم النملة (٣/ ١٤٣٤).
(٢) مولى عمر بن الخطاب كنيته أبو أسامة، سمع من ابن عمر وأبيه، ثقة كثير الحديث وكان يرسل، توفي سنة: (١٣٦) هـ. انظر: التاريخ الكبير (٣/ ٣٨٧)، الثقات للعدوي القرشي (٤/ ٢٤٦)، تجريد الأسماء والكنى (١/ ٢١٣).
(٣) أناخ ونزل، النظر: مقاييس اللغة (٤/ ٢٦٣).
والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة، النهاية (٣/ ٢٠٦)، المطلع (١/ ٤٢٣).
(٤) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٢٠) (٣٦). وهو مرسل، كما ذكر ذلك ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (٥/ ٢٠٣).
(٥) انظر: شرح النووي على مسلم (٥/ ١٨٣)، النفح الشذي شرح جامع الترمذي، لابن سيد الناس (٣/ ٤٣٣).
(٦) انظر: بدائع الصنائع (١/ ١١٥)، حاشية ابن عابدين (١/ ٣٨٠)، نهاية المطلب (٢/ ٣٣٤)، البيان، للعمراني (٢/ ١١١)، المهذب، للشيرازي (١/ ١٢٢).
(٧) انظر: المبسوط، للسرخسي (١/ ٢٧٠)، حاشية ابن عابدين (١/ ٣٨٠).

<<  <   >  >>