كتاب رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية

الطبقة الثانية - ٦٧ - منهم أبو خالد عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافري (¬*) الشعباني قاضي إفريقية، رضي الله تعالى عنه. - ج: 1 - ص: 160

ظالمهم، والأخذ من شريفهم بالحق لخاملهم. وقد رجاك أمير المؤمنين لذلك لفقهك وعدلك وخيرك وحسبك وعلمك وتجربتك. فعليك باتقاء الله عزّ وجلّ وحده لا شريك له، وإيثار الحق على ما سواه. وليكن جميع الناس: قويّهم وضعيفهم، في الحق، عندك سواء».

فأقام قاضيا إلى سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وفيها زال ملك بني أمية، فعزل عن القضاء إذ كان من قبل مروان. وولي بعده أبو كريب، وكان فاضلا ورعا. قتلته الصفرية سنة أربعين ومائة (٥٨)، حين تغلبوا على القيروان وملكوها. فلما رأى ذلك علماء إفريقية بعثوا إلى المشرق [جماعة من شيوخهم] (٥٩) إلى أبي جعفر المنصور، وكان رئيسهم ابن أنعم، مستغيثين به، فوجه معهم محمد بن الأشعث بجيش كبير، وأمره إذا وصل وملكها وأخرج البربر منها، أن يولي عبد الرحمن بن أنعم قضاء إفريقية.

وفي هذه السفرة سمع سفيان الثوري من ابن أنعم وكبار أصحاب أبي حنيفة وابن أبي زائدة (٦٠). وأجمع أهل القيروان على ولايته، لما علموا من دينه وفضله وزهده. فسار فيهم بسيرة أهل العدل، وأقام فيهم الكتاب والسنة. ولم يزل على ذلك حتى جرى له مع يزيد بن حاتم ما جرى، فترك القضاء ورحل عنه إلى تونس. ولم يزل معظما في صدور الناس رفيع القدر عندهم حتى توفي، رضي الله تعالى عنه.

وسبب موته (٦١)، فيما ذكر أبو العرب، أنه أكل حيتانا درنية (٦٢) وشرب لبنا على

---

(٥٨) سيذكر المؤلف في ترجمة أبي كريب، أن قتل أبي كريب من طرف الصفرية كان سنة ١٣٩ هـ‍.
(٥٩) العبارة الموضوعة بين معقفين أضافها ناشر الطبعة السابقة ليستقيم السياق.
(٦٠) هو يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة الهمداني، الكوفي. أبو سعيد. معدود في طبقات كبار المحدثين وفقهائهم وبعضهم يعده في أصحاب أبي حنيفة. توفي سنة ١٨٤. ينظر: تهذيب التهذيب ٢٠٨: ١١، الجواهر المضية ٢١١: ٢.
(٦١) النصّ في الطبقات ص ٢٩ وله رواية أخرى عند الرقيق (تاريخ إفريقية ص ١٦٨) ونقله ابن ناجي عن المالكي باختصار شديد. المعالم ٢٣٧: ١.
(٦٢) في الأصل: درنيا. والكلمة ساقطة من رواية الطبقات. والراجح أنه نوع من الحوت البوري ينسب إلى درنة بلدة بين طبرقة وباجة. ينظر مسالك البكري ص ٥٧.ونقل دوزي (ملحق القواميس: درن) عبارة الرياض بدون أن يعلق عليها أو يحاول تفسيرها.