للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رباح قسط‍ (٢٧) زيت. فقال له ابن غانم: أحمله لك يا أبا يزيد؟ فقال له رباح:

«شأنك به»، وابن غانم إذ ذاك على القضاء، فدفع القسط‍ إليه. وجعل رباح يشق به مجامع الناس، فسلك به على حوانيت البزازين والمواضع المشهورة، حتى انتهى إلى داره، قال له رباح: «أتدري لم فعلت هذا بك؟ » قال: «لا»، قال له:

«بلغني أنك تجد في نفسك فأحببت أن أضع منك»، فقال له ابن غانم: «جزاك الله عني خيرا».وجرى له مع البهلول مثل ذلك.

حدث بعض أهل العلم، قال: خرج ابن غانم القاضي مع جماعة من أصحابه إلى منزله (٢٨)، وكان فيمن خرج معه سليمان بن زرعة، وخرج بزوامله (٢٩) ومطابخه، فلما نزل نزع ثيابه واشتمل بردائه، وفعل مثل ذلك بجميع من معه، وكان في صيف ووقت حر، ثم أمر بالطعام فقرب إليهم، وفيه كنافة، وكان ابن غانم يحبها. فلما وضعت بين أيديهم خرق رجل من القوم موضع الزبد من وسط‍ القصعة، فقال له سليمان: (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) (٣٠) فقال له ابن غانم: «أتهزأ بكتاب الله تعالى؟ /عليّ ألا كلمتك أبدا! » ثم أمر بدابته فقربت إليه، وانصرف راجعا إلى القيروان.

عن أبي عثمان (٣١)، قال: «حدّثت عنه أن ابنه دخل عليه وقد انصرف من المكتب، فسأله عن سورته فقال له الصبي: حوّلني المعلم من سورة «الحمد» فقال له: «اقرأها» فقرأها، فقال له: «تهجها»، قال: فتهجاها، فقال له: «ارفع ذلك المقعد»، فرفعه فإذا تحته دنانير كثيرة، قال: وأبو عثمان شاك في عددها، إلا أنها أكثر من العشرة ودون العشرين، قال: فحملها إلى معلمه فدفعها له، فأنكر المعلم ذلك، وأتى بها إلى ابن غانم وأخبره أن الصبي أتاه بها فقال له ابن غانم كالمعتذر: «لم يحضرني غيرها يا معلم، أتدري ما علمته؟ علمته (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). لحرف واحد مما علمته خير من الدنيا وما فيها».


(٢٧) مكيال يسع نصف صاع. القاموس (قسط‍). وينظر عن أصل الكلمة: المكاييل والأوزان الإسلامية ص ٦٥ - ٦٦.
(٢٨) يقصد إلى ضيعته.
(٢٩) جمع زاملة. وهي التي يحمل عليها من الإبل وغيرها (القاموس: زمل).
(٣٠) اقتباس من الآية ٧١ من سورة الكهف.
(٣١) الخبر في تاريخ إفريقية ص ٢٣١ والمدارك ٧٥: ٣ والمعالم ٣٠٥: ١.