للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فإذا بشيخ قائم يصلّي، فلما سلم أبو خارجة من صلاته استل سيفه ثم قصده وهو يقول: «أعليّ تجسر؟ »، فلما رأى عزمه انقمع منه، فإذا به إبليس اللعين، أراد أن يلبس عليه صلاته ويدخل عليه الفتنة فحماه الله عزّ وجلّ منه.

عيسى بن مسكين قال (٢٠): «كان أبو خارجة كثيرا ما يقول: لا تمرّ الليالي والأيام حتى تمتحى (٢١) كتب أبي حنيفة من إفريقية».فكان كذلك: محاها الله عزّ وجلّ بسحنون، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

وكانت تذكر عنه أعاجيب من الإنذار بالحوادث التي تحدث في آخر الزمان، وكانت عنده في ذلك أحاديث يرويها عن شيوخه، ومن عنده أخذها عيسى بن مسكين.

وكان سحنون يعظم أبا خارجة ويعرف حقه:

عيسى بن مسكين قال: كان رجل ينزل عنده أبا خارجة إذا مر به، وكان سحنون أيضا ينزل عنده إذا مر به، فنزل به مرة سحنون فبينما هو عنده إذ جاء رجل يستأذن، فإذا به أبو خارجة، فقام الرجل ليلتمس له موضعا غير موضع /سحنون، فمنعه سحنون من ذلك، وقال له: «بل يكون معي في موضعي» فأذن له الرجل فدخل وسلم، فرد عليه سحنون السلام وأكبره وعظمه ومد إليه يده فصافحه ثم جلس أبو خارجة. وجاء رجل فسأل سحنونا عن مسألة فقال له سحنون: «سل أبا خارجة»، وامتنع أن يجيب بحضرته إجلالا له وتعظيما. قال: فسأل الرجل أبا خارجة فأجاب بجواب لم يوافقه سحنون عليه. قيل لعيسى: «فما أنكر عليه سحنون؟ » فقال عيسى: «سحنون كان أحكم من ذلك».

قال عيسى: كان رجل بغدادي يود لو رأى أبا خارجة، قال: فنزل أبو خارجة يوما قريبا من موضع الرجل، قال: فلما سمع بخبره أتاه فسلم عليه وصافحه وعانقه وقال له: «أنت أبو خارجة؟ » فقال: «نعم، أنا أبو خارجة «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه! » (٢٢) -تواضعا منه، رحمه الله تعالى.


(٢٠) النصّ في المدارك ٣٢٠: ٣.
(٢١) كذا في الأصل. وهي لغة ضعيفة في امّحى. (القاموس: محو)، وفي (م) والمدارك: تمحى.
(٢٢) من الأمثال المشهورة. تقدم تخريجه قريبا في ترجمة البهلول ابن راشد.