للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مسائل سأله عنها، فرد عليه جوابها، ثم أحله من نفسه بمحل عظيم. ثم قال له سحنون: إني أريد أن أسمع منك هذه (٥٤) «المدونة» (٥٥)، قال: فاستخار الله عزّ وجلّ في ذلك عبد الرحمن، ثم قال: افعل. فبدأ بالسماع عليه حتى استكملها، وأسقط‍ منها ابن القاسم: «وأظن مالكا قال في هذه المسألة كذا، وكذا، وأخال مالكا قال كذا وكذا» وقال لابن القاسم: «ما وقفت عليه من قول مالك كتبته وما لم تقف عليه تركته وتكلمت فيه بما يظهر لك من ذلك، والله يعينك».فأجابه عبد الرحمن إلى ذلك وتمم له ما أراد.

فلما فرغ كتب له عبد الرحمن كتابا إلى «أسد» يأمره فيه أن يرد «مدونته» على «مدونة سحنون» فلما قدم سحنون بالكتاب دفعه إلى أسد، فلما قرأه أراد أن يفعل ما أمره به من ذلك، فشاور في ذلك جماعة من تلامذته فقالوا له: «لا تفعل، فإنك تتضع عند الناس إن رددت كتبك على كتب سحنون ويسود بذلك عليك وترجع له تلميذا، وأنت قد أدركت مالكا وأخذت عنه، ثم دخلت الكوفة وأخذت عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، فاترك هذا واحمل عن هؤلاء، فقبل (٥٦) منهم كلامهم وفعل (٥٧) ما قالوا له، ولم يقبل كتاب ابن القاسم في ذلك، وتمسك بكتابه «الأسدية» ونشر مذاهب أهل العراق، وتمسك سحنون «بمدونته» التي قدم بها، ونشرها وسمعها عليه أهل المغرب، وانتشر ذكرها في الآفاق. وعول الناس عليها وأعرضوا عن «الأسدية» وغلب عليها اسم سحنون.

والمشهور عن أسد رحمه الله تعالى أنه كان يلتزم من أقوال أهل المدينة وأهل العراق ما وافق الحق عنده، ويحق له ذلك لاستبحاره في العلوم وبحثه عنها وكثرة من لقي من العلماء والمحدثين.

وكان أسد بعد وصول كتاب ابن القاسم إليه، إذا ذكر عنده ابن القاسم، مشرفا له ومعظما.


(٥٤) في الأصل: هذ. والمثبت من (م).
(٥٥) في المدارك: كتب أسد.
(٥٦) في الأصل: لا تقبل. والمثبت من (م) والمعالم.
(٥٧) في الأصل: وقالوا. والمثبت من (م).