للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولم يزالا على ذلك حتى ثار منصور الطنبذي وجماعة الجند على زيادة الله وحاصروه في «القصر القديم» نحوا من اثنتي عشرة سنة، وملك منصور مدينة القيروان وإفريقية، ونزل بعسكره بين شرقي مدينة القيروان وقبليها (٩٨)، وخندق خندقا هناك، فخرج إليه «أسد» وأبو محرز وهما جميعا قاضيان، فدخلا على منصور-وعنده وجوه الأجناد وغيرهم-فقال لهما منصور في كلام كان منه: «اخرجا معنا، أما تعلمان أن هذا البائس ظلم المسلمين؟ » فأما أبو محرز فإنه خاف من منصور وأصحابه فقال:

«نعم، وظلم اليهود والنصارى».وأما أسد فقال لهم: «قد كنتم أعوانا (٩٩) له قبل هذا الوقت، وأنتم وهو على مثل هذا الحال، وكما وسعنا الوقوف عنه وعنكم فكذلك يسعنا الوقوف عنه وحده» قال: فصال عليه بعض الجند، فانصرفا جميعا وهما خائفان. ثم انهزم منصور في شهر رمضان من سنة إحدى عشرة ومائتين، وفتح الله عزّ وجلّ لزيادة الله، ورجع إليه ملك إفريقية، وهدّم سور مدينة القيروان.

قال سليمان بن عمران (١٠٠): «كنت حضرت في أيام أبي العباس (١٠١) في هدنة صقلية، وقد جمع شيوخ القيروان ووجوههم، وكنت فيمن حضر، فكتب بين يديه كتاب الهدنة وقرئ على جماعة الناس. وكان فيه: إن من دخل إليهم من المسلمين وأراد أن يردوه إلى المسلمين كان ذلك عليهم. فلما قدم «فيمه» (١٠٢) [الرومي] (١٠٣) في هذه الهدنة أيام زيادة الله رفع إليه أن عند الروم أسارى من المسلمين، فجمع زيادة الله الناس، وأحضر أسدا وأبا محرز، وسألهما عن ذلك، فأما أبو محرز فقال: «نستأني في هذا الأمر حتى يتبين» وأما أسد فقال: «نسأل رسلهم عن ذلك».فقال أبو محرز: «وكيف نقبل قول الرسل عليهم أو دفعهم عنهم؟ ».فقال أسد: «بالرسل


(٩٨) كذا في الأصل. وفي (م) والمعالم: غربيها.
(٩٩) في الأصل: إخوانا. والمثبت من (م) والمعالم.
(١٠٠) الخبر في المعالم ٢١: ٢ بتصرّف.
(١٠١) أبو العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب ثاني أمراء بني الأغلب ولي سنة ١٩٦ وتوفي سنة ٢٠١.ينظر: البيان المغرب ٩٥: ١ - ٩٦.
(١٠٢) يرسمه ابن الأثير (الكامل ٣٣٤: ٦ - ٣٣٥) فيمي. واسمه اللاّتيني EuPhemios ينظر: المسلمون في صقلية ص ٧ - ٨.
(١٠٣) زيادة من (م) والمعالم.