للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو عثمان بن الحداد: «إنه ليغلب على ظني أن هذه الرياضات (١١) إنما كانت بعد أن (١٢) بلغ الحلم، لأنه إنما مات ابن ثمان وثلاثين سنة. وكان قد حمل نفسه على الاجتهاد حتى بلغني أنه قال: لقد كنت أحب الصحة فلما ضعفت عن العمل أحببت المرض».

أخبر عبد الخالق المتعبد أن رباح بن يزيد ذكر (١٣) ما أنعم الله عزّ وجل عليه في دينه يوما من الأيام، وكان في ذلك الوقت البهلول، فقال رباح للبهلول: «يا أبا عمرو: إن لي لاثنتي عشرة سنة-أحمد الله تعالى إليك فيها كثيرا وأشكره (١٤) -ما بغيت (١٥) فيها شيئا سوى الله عزّ وجل، وإن لي لاثنتي عشرة سنة قد أعطيت فيها من حلاوة القرآن ما لو شئت أن أتهجد بالآية الواحدة ليالي لفعلت، وإن لي لاثنتي عشرة سنة أخاف فيها الغنى كما يخاف الغني الفقر».فكان البهلول يقول: «أما الخلتان اللتان (١٦) ذكرهما أولا: أنه لا يخشى شيئا سوى الله عزّ وجل، وما ذكر من أنه أعطى من حلاوة القرآن ما ذكر، فقد كنت شهدت ذلك منه غير ما مرة. وأما ما ذكره من خوفه الغنى فكان في نفسي منها شيء (١٧)، لأني قلت: الغنى يخاف، هذه درجة عظيمة، أعظم (١٨). ثم إنه بلغني أنه سأله رجل من أملياء أهل القيروان أن يزوجه ابنته، وكان لها مال عظيم. فامتنع من ذلك وقال لي: «إنما أردت وأصحابك أن تأتوني فتنظروا إلى فضول الدنيا عندي وفي بيتي، وملك ذلك لغيري، ولا تنبسط‍ يدي فيه، فأضعه في المواضع التي هي أفضل. قم فلا حاجة لي في شيء من ذلك كله».قال: فقلت: «صدق! من خاف شيئا تجنبه، وهو صادق فيما يقول».


(١١) في (م) والمصادر: الرياضة.
(١٢) في (م) والطبقات: من لدن.
(١٣) في الأصل: ذكر يوما. ولعلّ كلمة «يوما» مقحمة هنا وستأتي في موضعها قريبا.
(١٤) ورد هنا في الأصل حرف جر «على» والسياق مستغن عنه.
(١٥) كذا في الأصل. ويفسّرها ما يأتي بعد قليل: «أنه لا يخشى شيئا سوى الله».
(١٦) في الأصل: أما الخلتين اللّتين.
(١٧) في الأصل والمطبوعة: شيئا.
(١٨) كذا في الأصل. وعلّق ناشر الطبعة السابقة «ربما كانت صحة العبارة: هذه درجة عظيمة»، أعظم [من أن تصدق] أو: أعظم [بها].